القدوة لا تكون إلا للأشراف

مشروع كتيب "قدْوَتنا رئيسنا" بلا قيمة وما هو إلا محاولة تخريبية للوعي الفلسطيني.

"قدْوَتنا رئيسنا" عنوان الكتيّب الذي صدر مؤخراً في رام الله ليكون مقرراً في مناهج التدريس في المجتمع الفلسطيني يعد سابقة خطيرة في الحياة السياسية والثقافية الفلسطينية لأن أقل ما يقال فيه بأنه يكرس الديكتاتورية في مجتمع ما زال يتلمس طريق الحرية والخلاص من الاحتلال.

من الصعوبة بمكان أن يجد المرء إيجابية واحدة في هذا الإصدار الذي تسابقت على ترويجه بشكل سابق النظير قيادات فتحاوية رأت فيه فتحاً فكرياً يضيء عقول الناشئة. وقد ذهب صائب عريقات بفذلكاته إلى أبعد من ذلك حين ذكر بأن مادة الكتيّب ما هي إلا اقتباسات من كتب الرئيس عباس السياسية عملت على تجميعها طالبات من المرحلة التكميلية، وهذا العمر برأيي المتواضع لا يسمح لصاحبه الإلمام بالفكر السياسي. لذلك نتوقع أنّ مشروع الكتيّب أشرفت عليه قيادات من أعلى المستويات تعيش في ظلال الرئيس وتعتاش على النفاق، وأنّ أكثر همّها تلميع رئيس له من البيانات والتصريحات المتكررة وهي لا تخدم مسيرة النضال الفلسطيني، كما هي في واقع الحال تجلب الخزي والعار للشخصية الفلسطينية ولا تمتّ بصلة للثقافة الفلسطينية التي تنادي بالتحرر والاستقلال.

ويؤكد عزّام الأحمد أن طباعة الكتيّب وتوزيعه على المدارس جاء بقرارٍ من الرئيس محمود عباس، وكأنّ هذا افتخار يضيف للكتّيب قيمة، والمشروع كلّه بلا قيمة وما هو إلا محاولة تخريبية للوعي الفلسطيني. أو كأنّ الساحة الفلسطينية لا تزخر بكتاب وشعراء ومفكرين لا يجدون من يموّل طباعة نتاجهم. بينما هذا الكتيّب يطبع من أموال الشعب الفلسطيني. وهذا هو عين الاستئثار والاستبداد.

لا أحد من الفلسطينيين وخاصة من الجيل الجديد يعرف بأنّ لعباس كتباً سياسية وضع جلّها في مرحلة بيروت، ويقيني أنّ الجيل الذي ولد في مرحلة اتفاقات أوسلو التي أدت إلى قيام السلطة الوطنية على أجزاء من الوطن ولا تمتاز بالاستقلال، يحفظ جيداً تصريحات عباس المؤلمة بحق النضال وحقوق الشعب الفلسطيني، خاصة تلك التي تعتبر التنسيق الأمني مع الاحتلال أمراً مقدساً، وتلك التي يتنازل فيها عن مدينته صفد للاحتلال. أو تلك التي يسئ بها للمناضلين الذين ما زالوا يقبضون على الجمر.

هل يريد الذين أشرفوا على الكتيّب من الشعب الفلسطيني أن يقتدوا بهكذا أفكار رئاسية تمنح العدو شرعية احتلالنا وإبادتنا؟

أنّ الانحطاط الذي عمّ الساحة الفلسطينية مع توقيع اتفاقيات أوسلو بتاريخ 13 سبتمبر 1993 لا ينتظر منه أنْ يعيد الساحة الفلسطينية إلى زهوها النضالي، بل ينتظر منه المزيد من الانحدار نحو هاويات النكسات والنكبات التي تحيق بالحياة الفلسطينية ككل.. والخطير هنا أن تتحول الثقافة أداة بيد هؤلاء المؤمنين بالهزيمة لتفريغ الشعب الفلسطيني من كرامته وإيمانه بقضيته العادلة وتحويله إلى مجموعة من العبيد تتلقى الفتات والهبات من دولة أحلّت نفسها على كامل التراب الفلسطيني.

"لأجل فلسطين نتعلم" عدالة قضيتها وقدسية حقوق شعبها، وليس التفريط بما منحنا الله من وطن كما كلّ خلق الله. ولدى الشعب الفلسطيني الكثير الكثير من معالم ثقافية ومناضلين أحياء وراحلين أرسوا نور الحق ليكونوا قدوة حقيقية في سبيل بزوغ شمس الحرية.

ما ينبغي أنْ يقال إنّ القدوة لا تكون إلا للأشراف، وإنْ حدث عكس ذلك كما هي الحالة التي نحن بصددها، فأعلم إنّ خللاً خطيراً يضرب المجتمع بالاهتراء، وقد أخذ الانحطاط يتعمق ويتجذر في شرايين الحياة كلها.