القضاء الفرنسي يحاصر سلامة بأول مذكرة اعتقال دولية

حاكم مصرف لبنان المركزي يصف قرار قاضية فرنسية أصدرت بحقه مذكرة اعتقال بأنه "عدالة مبنية على الكيل بمكيالين"، فيما يشير القرار إلى أنه بات مطلوبا للعدالة الدولية.
قاضية فرنسية تخيّر إصدار مذكرة توقيف دولية بحق سلامة على استدعائه مرة أخرى للمثول أمامها
الملاحقات القضائية الأوروبية تضيق الخناق على رياض سلامة بعد مماطلته في حضور التحقيقات

باريس - أصدرت القاضية الفرنسية المكلفة بالتحقيق في أموال وممتلكات حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة في أوروبا مذكرة توقيف دولية بحقّه اليوم الثلاثاء، في تطوّر يشكل انعطافة في التحقيقات المتعلقة بالاختلاس والإثراء غير المشروع، ما يجعله ملاحقا دوليا، بعد أن حالت تعطيلات إدارية دون تبليغه مثلما تقتضي الأعراف بضرورة مثوله أمام المحكمة الفرنسية لحضور الجلسة التي كان ينتظر أن يوجه فيها الادعاء الفرنسي لسلامة اتهامات أولية بالتزوير وغسل الأموال.

وتغيّب سلامة عن جلسة استجواب في باريس لمعرفة كيف راكم أصولا كبيرة في أوروبا، وفق ما أفاد محاميه.

وقال حاكم مصرف لبنان المركزي في بيان اليوم الثلاثاء إن مذكرة الاعتقال الفرنسية الصادرة بحقه "خرق لأبسط القوانين"، واصفا القرار بأنه "عدالة مبنية على الكيل بمكيالين"، مؤكدا أنه "سيطعن فيه".

ولم تتضح على الفور تداعيات مذكرة التوقيف لاسيما وأن لبنان لا يسلّم رعاياه، في حين قال وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي في تصريح لتلفزيون "الجديد" المحلي إنه "لا يمكننا أن نحكي عن ملاحقة أو توقيف رياض سلامة بلبنان لأن كل الإجراءات التي تتعلق بإنتربول ومعاملة الاسترداد لم تتم بعد".

وأكد مصدر قضائي لبناني أن "القانون اللبناني لا يجيز تسليم مواطن لبلد آخر"، مضيفا "عندما ترد مذكرة التوقيف الدولية عبر النشرة الحمراء سيطلب القضاء اللبناني من الجانب الفرنسي الملف الذي يتضمن المعطيات والمستندات التي بنت عليها القاضية بوزيري قراراها".

ويشتبه المحققون الفرنسيون في أن سلامة راكم أصولا عقارية ومصرفية عبر مخطط مالي احتيالي معقّد وإساءة استخدامه أموالا عامة لبنانية على نطاق واسع. وكان يُرجّح أن يؤدي مثوله أمام القاضية أود بوريزي إلى توجيه اتّهامات إليه.

وبدوره قال محاميه بيار-أوليفييه سور إن تغّيب موكله يعود إلى عدم تبليغه بوجوب المثول أمام القضاء الفرنسي وفق الأصول، مشيرا إلى أنه كان ينبغي "إرسال إخطار الاستدعاء قبل أقل من عشرة أيام من الموعد المقرر للاستجواب"، مضيفا "لم تُحترم القواعد... ومن ثم فالاستدعاء باطل".

وقال مصدر قانوني لبناني هذا الأسبوع إن السلطات فشلت في تبليغ سلامة رغم محاولة الشرطة أربع مرات تسليمه الإخطار بمقر البنك المركزي، فيما أكد مصدر رفيع المستوى إن القضاء اللبناني غير قادر على تنفيذ الاستدعاء لأنه لم يكن موجودا لاستلامه.

وأكد مصدر قضائي آخر أن محامي دفاع سلامة وشقيقه ومساعدته ماريان الحويك قدموا اعتراضا أمام القضاء اللبناني على الدعوى الفرنسية قائلين إنه "لا ينبغي السماح لفرنسا بالنظر في قضية يجري التحقيق فيها بالفعل في لبنان".

ووجهت للثلاثة اتهامات في قضيتين منفصلتين في لبنان. ونفى رياض ورجا سلامة تحويل الأموال العامة ولم تتحدث الحويك ولا محاميها علنا عن الاتهامات.

وقال المدعي العام اللبناني في يناير/كانون الثاني إن بيروت قد تؤجل التعاون مع التحقيقات الأجنبية ريثما يجري إحراز تقدم في التحقيقات المحلية.

وبعد تغيّب رياض سلامة كان أمام القاضية الفرنسية المسؤولة عن القضية خيار إصدار أمر استدعاء جديد، لكنها قررت إصدار مذكرة توقيف دولية في حقّه.

ومنذ بداية العام، زار قضاة من دول أوروبية لبنان في ثلاث مناسبات لمقابلة حاكم المصرف المركزي وأشخاص مقربين منه، فيما يرفض سلامة (72 عاما) الاتهامات الموجهة إليه.

وتم توجيه تهم إلى شخصين على الأقل في ما يتعلق بالقضية في فرنسا، بينما ستنظر محكمة الاستئناف في باريس في وقت لاحق من هذا الشهر في شرعية مصادرة دول الاتحاد الأوروبي بعض أصول سلامة.

وقال المحامي الفرنسي ويليام بوردون الذي يمثل جمعيتين من بين المدعين على سلامة إنه "سيوقف في يوم أو آخر"، مضيفا أن سلامة يستفيد من "تعطيل ممنهج من بعض القضاة اللبنانيين، في تعارض تام مع التزاماتهم".

وشملت تحقيقات الوفد القضائي الأوروبي العديد من المسؤولين، إذ خضع وزير المال اللبناني يوسف الخليل هو الآخر للاستحواب بما أنه شغل منصب مدير العمليات المالية في مصرف لبنان قبل الانتقال إلى وزارة المال، لكنه أكد أن "كل العمليات التي حصلت في المصرف المركزي خلال فترة عمله كانت قانونية".

كما استجوب المحققون الأوروبيون خلال عملهم ببيروت ماريان الحويك مساعدة سلامة، بعد أن كشف تقرير قضائي فرنسي عن تحويل نحو خمسة ملايين يورو من البنك المركزي اللبناني إلى الحويك عبر حسابات في سويسرا ولوكسمبورغ.

ونفى رياض سلامة خلال جلستي استماع في مارس/آذار الماضي أمام المحققين الأوروبيين أن يكون قد حوّل أي أموال من مصرف لبنان إلى حساباته الشخصية داخل البلاد وخارجه، منتقدا ما وصفه بـ"سوء نيّة وتعطّش للادعاء" عليه من جهات عدة.