القضاء اللبناني يشدد الخناق على حركة رياض سلامة

محامي عام محكمة التمييز يحظر السفر على حاكم مصرف لبنان ويصادر جوازي سفره الفرنسي واللبناني ويبقيه رهن التحقيق بعد جلسة استماع استمرت لأكثر من ساعة.
عشرات اللبنانيين يحتجون أمام مقر بعثة صندوق النقد الدولي رفضا لمقترح بشطب ودائعهم

بيروت - أصدر القضاء اللبناني اليوم الأربعاء قرارا بمنع حاكم المصرف المركزي رياض سلامة من السفر بعد استجوابه على خلفية نشرة حمراء أصدرها الإنتربول بحقه بناء على طلب القضاء الفرنسي في القضية المتعلقة بغسل الأموال والإثراء غير المشروع.

وقال وسائل إعلام لبنانية من ضمنها قناة "الجديد" إن محامي عام محكمة التمييز القاضي عماد قبلان "حجز جوازي سفر رياض سلامة الفرنسي واللبناني وتركه رهن التحقيق بعد جلسة استماع استمرت ساعة وعشرين دقيقة".
وكانت النيابة العامة التمييزية تسلمت من منظمة الشرطة الدولية "الإنتربول" نسخة من مذكرة توقيف حمراء بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

وجاءت جلسة الاستجواب غداة "تبلّغ أحد قضاة النيابة العامة التمييزية في لبنان شفهيا من المدعية العامة في ميونخ بصدور مذكرة توقيف بحق سلامة"، موضحا أن المذكرة أسندت إلى سلامة "جرائم مرتبطة بالفساد والتزوير والاختلاس وتبييض الأموال".

وفي لبنان، لم يصدر أي تعليق رسمي من السلطات إزاء مذكرتي التوقيف، لكن وزراء ونواباً طالبوا في تصريحات بتنحيه، علماً أن ولايته تنتهي في تموز/يوليو المقبل.

وقال سلامة الذي يشغل منصبه منذ العام 1993، ما يجعله أحد أطول حكام المصارف المركزية عهداً في العالم، في مقابلة بثتها قناة الحدث السعودية الخميس، "ضميري مرتاح والتهم الموجّهة إلي غير صحيحة وإذا صدر حكم ضدي يُثبت أنني مرتكب، سأتنحى عن حاكمية المصرف".

وتركّز التحقيقات الأوروبية على العلاقة بين مصرف لبنان وشركة "فوري أسوشييتس" المسجّلة في الجزر العذراء ولها مكتب في بيروت والمستفيد الاقتصادي منها شقيق الحاكم رجا سلامة. ويُعتقد أن الشركة أدت دور الوسيط لشراء سندات خزينة ويوروبوند من مصرف لبنان عبر تلقّي عمولة اكتتاب، تمّ تحويلها إلى حسابات شقيق الحاكم في الخارج.

وجمّدت فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ قبل عام 120 مليون يورو من الأصول اللبنانية إثر تحقيق استهدف سلامة وأربعة من المقربين منه، بينهم شقيقه، بتهم غسل أموال و"اختلاس أموال عامة في لبنان بقيمة أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو على التوالي، بين 2002 و2021".

وتصدر محكمة الاستئناف في باريس في الرابع من تموز/يوليو قرارها بشأن قانونية عملية الحجز على أصول عقارية وأموال لسلامة في أوروبا، بعد تقدّم فريق الدفاع عنه بطلبات إبطال.

وتطال الطلبات أكثر من عشر عمليات حجز أجرتها فرنسا على أصول وممتلكات تقدّر بعشرات الملايين من اليورو وتشمل شققا في مناطق راقية من العاصمة وأخرى في بريطانيا وبلجيكا وحسابات مصرفية.

وأبلغ قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبوسمرا هذا الأسبوع شقيق حاكم المصرف المركزي رجا سلامة ومساعدته ماريان الحويك بمذكرات استدعائهما إلى باريس للمثول أمام القاضية بوريزي.

وحددت الأخيرة، وفق مصدر قضائي، موعد استجواب رجا سلامة في 31 مايو/أيار والحويك في 13 يونيو/حزيران في الملف ذاته الذي يلاحق به حاكم مصرف لبنان.

وينفي سلامة تحويل أي أموال من مصرف لبنان  إلى حساباته الشخصية داخل البلاد زخارجها، منتقداً ما يصفه بأنه "سوء نيّة وتعطّش للادعاء" عليه من جهات عدة.

وتحمّل جهات سياسية ومحللون ومواطنون في لبنان سلامة الذي كان يعدّ عراب استقرار الليرة، مسؤولية انهيار العملة الوطنية، وينتقدون بشكل حاد السياسات النقدية التي اعتمدها طيلة السنوات الماضية، باعتبار أنها راكمت الديون، إلا أنه دافع مراراً عن نفسه بتأكيده أن المصرف المركزي "موّل الدولة ولكنه لم يصرف الأموال".

ويكرر في مقابلاته الصحافية التأكيد على أنه جمع ثروته من عمله السابق طيلة عقدين في مؤسسة "ميريل لينش" المالية العالمية ومن استثمارات في مجالات عدة بمعزل عن عمله على رأس حاكمية مصرف لبنان.

وقال وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي الجمعة إن الإنتربول سلمت بلاده مذكرة توقيف بحق حاكم المصرف المركزي.
بدورها قناة "ام تي في" اللبنانية إن القاضي قبلان "أعدّ تقريرًا بإجابات سلامة وأرسله عبر برقيّة إلى السلطات الفرنسية"، طالبا أن "يتسلّم لبنان مذكرة الاسترداد التي ترتبط بالملف ليطّلع القضاء اللبناني على المضمون ويتخذ قراره".
ولفتت إلى أن سلامة "أجاب على كل أسئلة القاضي قبلان ودحض كل الاتهامات، معتبرا أن مذكرة التوقيف التي صدرت بحقه باطلة وغير قانونية".
وفي سياق متصل نظّم عشرات اللبنانيين اليوم الأربعاء وقفة احتجاجية أمام مقر بعثة صندوق النقد الدولي في بيروت، رفضا للسياسات المالية والنقدية المتبعة في البلاد ولمقترح يقضي بشطب ودائعهم من البنوك.
ونظم الوقفة جمعية "صرخة المودعين" التي سلمت البعثة رسالة تضمنت أيضا رفضا "لبعض البنود الواردة في تقرير خبراء صندوق النقد الدولي، بعد جلسات عدة عقدوها مع الحكومة اللبنانية".
وقالت الجمعية في بيان إن أبرز هذه البنود التي تقضي باعتبار الفجوة المالية خسائر، مع العمل على حماية صغار المودعين فقط، "لا يمكن تجاوزها والمرور عنها".
ورفض المودعون "هذه النقاط جملة وتفصيلا"، مطالبين بـ"إعادة ودائعهم كاملة وبعملة الإيداع.. نحن لا نقبل باعتبار الودائع خسائر، فما يسمونه خسائر هو سرقات لا ذنب للمودع بها".
وشدد البيان على تمسك المودعين بحقهم باستعادة ودائعهم كاملة من المصارف، رافضين "شطب الودائع واستكمال العمل في المصارف، وكأن شيئاً لم يكن من دون محاسبة بالتسبب بالانهيار المالي".
ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي تحدث اقتحامات للمصارف اللبنانية إثر رفض الأخيرة منح المودعين أموالهم بالدولار، في إطار سياسة قاسية نتجت عن أزمة شح الدولار بالبلاد.
وتفرض مصارف لبنان منذ 2019 قيودا على أموال المودعين بالعملة الأجنبية، كما تضع سقوفا قاسية على سحب الأموال بالليرة وذلك إثر الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تضرب البلاد.