القلم .. أمان العالم وحريته

أصابع تُمسِك بالقلم أحد أكثر الأوضاع المُعَبِّرَة عن معنى الحرية.
"مَسْكَة" القلم هي أكثر "المَسْكات" حرية
القلم ليس مُجرَّد أداة للكتابة

ربما يكون استعمال القلم في الكتابة قد تراجع بدرجة ما، بسبب تَعامُلنا مع الكمبيوتر بشكل مباشر، لكن عندما أفكر في القلم لا أراه مُجرَّد أداة للكتابة، أو أنه من الممكن أن يأتي وقت ولا يكون له حضور في حياتنا.
القلم فكرة، معنى، مُجرَّد وجوده في العالم، رؤيته حولنا، هو تأكيد لوجودنا البشري، لوجود العالم، القلم شريك لنا من البداية، حاجة البشر القديمة للقلم، لتسجيل حيواتهم، مشاعرهم، أفكارهم، عالمهم، حتى تلك الصخور المُدَبَّبَة، والمسامير التي حفَرَتْ جدران الكهوف منذ ملايين السنين ليست إلا أقلام ذلك الزمن.
"مَسْكَة" القلم هي أكثر "المَسْكات" حرية، لا شيء في العالم تُمسك به فيشعر بالحرية، وتشعر أنت معه بالحرية، أكثر من القلم، كأنك تمسك حريتك بيدك، وحريتك تمسكُ بيدك في الوقت نفسه.
أصابع تُمسِك بالقلم أحد أكثر الأوضاع المُعَبِّرَة عن معنى الحرية.
القلم، أيّ قلم، لا يَفْرُغ أبدًا، عندما ينتهي منه الحِبر، فإنه يَتَعبَّأ في الوقت نفسه بجزء من روح شريكه الذي استعمَلَه، أقلامنا التي تبدو فارغة هي في الحقيقة مليئة من أرواحنا وأرواح الكلمات التي كتبناها، كتَبها القلم، فهذه الأقلام قد أعطتنا، مُسْبَقًا، أرواحها، هي تحب أن تفعل ذلك، ولا يهم أننا الآن نستغرق وقتًا أطول بكثير كي يَفْرغ قلم نستعمله، ربما يُفاجَأ أحدنا عندما يجد أنه استعمَلَ قلمًا حتى فرغَ منه حِبْره.
بشكل شخصي أُحب أن أرى القلم وأتعامل معه كل يوم.
القلم روح حيَّة، يشعر بما نكتبه، ويفهمه، هناك شيء إضافي في الكلمة المكتوبة بخطّ اليد، شيء إنساني، وكأن أرواح كل الكلام الإنساني القديم المنقوش في الكهوف والصخور تعيش في كلامنا الحالي المكتوب بالقلم، بخَطّ اليد.
ظِلُّ القلم على الورقة أحد أجمل المناظر الرومانسية.
أحب أن أتَصَوَّر أن الأقلام لا تُصنَع، وإنما تُخْلَق، لا تُصنَع في مصانع أو شيء كهذا، إنما تأتي من مكان آخر، مكان للخَلْق، ونحن فقط نجدها في المكتبات، أو مع الباعة على الأرصفة.
البيت الخالي من القلم مُعَرَّض للتلاشي في أيّ لحظة.
بدون القلم لن ترى خَطّ يدك أبدًا، وهذا أكبر من ألا ترى وجهك وتسمع اسمك أبدًا، لا يمكنك أن تكتب كلمة خاصة جدًا بخَطّ يدك، وإنْ كان أحدنا لا يعرف، فخَطّ اليد هوية شخصية، أحد أشكال أرواحنا، وبدون القلم نفقد إحدى الطرق القديمة والأصيلة للوصول إلى أرواحنا.
وأنت لا تتوقَّع من القلم أن يخذلكَ أبدًا، لا يمكنك أن تَشُكَّ فيه لحظة.
القلم شريك حياة لنا، جزء من هوّيتنا الإنسانية، وحضوره يمنح شعورًا بالأمان والحرية في هذا العالم.
إن لم يكن الأول، فالقلم أحد أول ثلاثة كائنات وُجِدَت في العالم، ربما وُجِد حتى قبل ظهور العالم، وأنَّ العالم ظهَرَ بما يُشْبِه نَقْرِة من سِنّ القلم الأول.