القمامة في بلادي تعتصم!

لا يجد الليبيون طريقة للاحتجاج على ما يجري بحقهم من أبناء بلدهم إلا رمي القمامة في الشارع.

استبشرت الجماهير الليبية خيرا بالتغيير لكن من اتت بهم اضافة الى اولئك الذين اجبروا الجماهير على الاعتراف بهم بفعل القوى الخارجية، لم يحققوا للجماهير املها في التغيير بل استخفوا بها فكانت عمليات الترويع بشتى انواع السلاح، وطالت عمليات السطو والسلب والنهب القطاع العام ومنها على سبيل المثال لا الحصر سيارات الاسعاف لبعض المراكز الصحية، كذلك سيارات نقل القمامة وسرقة اسلاك شبكة الكهرباء  وانقطاع متكرر في التيار الكهربائي ولم تسلم الممتلكات الشخصية للأفراد من تلك الاعمال، وإقفال مراكز الخدمات. لم يعد للدولة وجود. المشاهد العسكرية المؤللة والراجلة في كل مكان بل في كل حي من احياء العاصمة صارت مألوفة. فكل من هب ودب كوّن ميليشيا ويستخدمها للاسترزاق وفرض رؤاه ومعتقداته.  

خرجت الجماهير عديد المرات الى الميادين والشوارع في تظاهرات سلمية مطالبة بتحسين الاوضاع الامنية والسعي الى تقديم الخدمات الضرورية وخروج العناصر المسلحة من العاصمة، وكردة فعل على تلك المطالب قامت الميليشيات بإقفال المراكز الخدمية بأكوام الرمل والزلط وفي كل مرة يخرج علينا المسئولين بأنهم سيلبون مطالب الجماهير المحقة وهي وعود لا تعدو كونها ذر الرماد في العيون، في كل يوم تستنزف ثروات الدولة النفطية فلا احد يعرف اين تذهب عائداته، بعثروا الاموال يمينا وشمالا وفي كل اتجاه وأحيانا يسكتون الشعب ببعض الهدايا (مخصصات الأسر من العملة الصعبة) تأخذها الجماهير بيد لتنفقها فورا باليد الاخرى بسبب اطماع التجار الجشعين وعدم وجود رقابة على الاسعار.

شعر الجميع بالإحباط لعدم تلبية مطالبهم صرنا نفقد كل يوم شيئا جديدا، لم نتعود على انقطاع التيار الكهربائي في عز الصيف، فقد أمّن لنا النظام السابق ذلك وإن بالاستعانة بدول الجوار، وبالخصوص يقول وزير الكهرباء ان استمرت اعمال التعدي على الشبكة فأبشروا بانقطاع مزمن.

للأسف الشديد عدنا الى الطوابير امام المخابز لأجل الحصول على رغيف الخبز الذي اصبح سعره لا يطاق والنقص الحاد في السلع التموينية اما لقيام التجار بتخزين السلع لأجل رفع الأسعار وإما لنفاذ تلك السلع من المخازن العامة وذلك لغياب الرقابة وعدم اكتراث المسئولين باحتياجات الناس.

وأخيرا وجدت الجماهير طريقة جديدة للتعبير عما يجري بالبلد بدلا من التظاهر في هذه الايام المرتفعة الحرارة، او التجمهر ليلا في الميادين والساحات في ظل غياب شبه مستديم للكهرباء، فقامت بتكديس القمامة في منتصف الطرقات ولعلها تكون اشارة الى حكامنا بأن الجماهير ستلقي بهم في الطريق العام ان لم يستجيبوا لمطالبها وتلفظهم كما تلقى القمامة وأن "القمامة" اشرف منهم فقد يعاد تدويرها والاستفادة منها. حقا انه الزمن الرديء الذي أتى بهؤلاء الى سدة الحكم ليتحكموا في مصير شعب بأكمله.

"من ليبيا يأتي الجديد" قيل ان هيرودوت قالها ذات مرة لكنني اجزم انه لم يكن يدور بخلده ان الليبيين سيأتي عليهم يوم يعبرون فيه عن عدم رضاهم لما يقوم به ابناء جلدتهم من اعمال اجرامية وعدم قدرتهم على تغيير الاوضاع فيلقون بالقمامة في وسط الطرقات لتسدها ولتسجل الجماهير الليبية ظاهرة حضارية جديدة للتعبير السلمي. فالقمامة في بلادي تعتصم.