معبر راس جدير يدق ناقوس الخطر في ليبيا
المؤكد ان جميع المعابر الحدودية بمختلف انحاء العالم يحدث بها نوع من التهريب للسلع والعملات، ولكن تظل في حدود المعقول (منضبطة الى حد ما)، حيث ان سكان المناطق الحدودية يعتاشون على التهريب للسلع وتغيير العملة، رغم ان التهريب ليس في صالح الدولة (المهرب اليها) لأنه يحرمها من العائدات لكنها تظل تغض الطرف عن ذلك لئلا تثير غضب سكان تلك المناطق.
ما تشهده المناطق الحدودية بليبيا ومنذ اكثر من عقد، هو ان التهريب اصبح يشكل عبئا على الاقتصاد الوطني والمتمثل في تهريب بعض السلع المدعومة (مشتقات النفط) والعملات الصعبة بكميات هائلة، حتى اصبح واضحا واقرت به السلطات الرقابية بالبلد مما يستدعي حلا سريعا وعادلا.
من المؤسف حقا ان نجد ميليشاويا يمثل قبيلة/منطقة، ويضم اليه بعض شباب المنطقة/القبيلة بدعوى حمايتها ويمنح رتبة عسكرية من السلطة الفاقدة للشرعية، ويؤدي المنخرطون في الاجهزة النظامية للشرطة او الجيش له التحية! انها المسخرة في ارذل صورها، التي تتبناها وترعاها اجتماعيا وتغذيها بشريا القبائل الشريفة والمدن العريقة. في السابق كانت الدولة تبسط سيطرتها على كامل تراب الوطن وينعم اهله بالأمن والاستقرار. لكن منذ العام 2011 ونظرا لانتشار السلاح اصبحت الدولة الحلقة الاضعف، ولذلك غالبية المدن تعتبر مارقة وخارج سلطة الدولة.
معبر راس جدير على الحدود البرية مع تونس مثالا وليس حصرا، تم اغلاقه مؤخرا، ومحاولة اعادة تنظيم حركة المرور به، والتشديد على عدم او لنقل التقليل من تهريب مشتقات النفط وبعض السلع الاخرى، وهو من اختصاص الحكومة عبر مؤسساتها المختصة المتمثلة في وزارتي الداخلية (الامن) والمالية (الجمارك). ولكن لان سكان المنطقة يمثلون عرقا اثنيا معينا (امازيغ)، فان الامر يشكل حساسية، اذ يعتبرها سكان المنطقة تستهدفهم بشكل خاص، ويعتبرونه مساسا بهم كمكون اساسي بالبلد ويحشدون الهمم اجتماعيا وعرقيا لإحداث الفتن بالبلد الذي يعيش حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني. لا ينكر احدا ان المعابر الأخرى، برية وجوية وبحرية، لا يتم من خلالها التهريب. فالسلطات تعلن بين الفينة والاخرى ان هناك محاولات لتهريب العملة والسلع وكذلك العمالة الوافدة واحالتها الى القضاء لاتخاذ الاجراءات المناسبة.
تم تأجيل افتتاح المعبر أكثر من مرة بعد ان تم تحديثه والسبب هو عراقيل امام فتحه بشروط منها ان تكون نسبة من العاملين بالمنفذ مخصصة لسكان المنطقة يعتبر تدخلا في شؤون الدولة. أما عن اعمار المناطق فانه يأتي ضمن خطة اعمار شاملة تخصص لها ميزانية.
القضاء على التهريب او الحد منه يتطلب حكومة فاعلة قادرة من خلال اجهزتها الامنية والعسكرية على ضبط الأمور. ولكن في ظل الاختلاف السياسي، فان تواجد الميليشيات المناطقة والاثنية، ومهادنة الحكومة لها من خلال منح تلك الميليشيات بعض الامتيازات المالية وغيرها، ما جعلها تستقوي على الحكومة وتفرض رأيها وان لم تستطع، تلجأ الى الجانب العرقي او الاجتماعي واعتبار ذلك يستهدف المكون برمته، ويسبب بذلك شرخا في النسيج الاجتماعي للبلد.
عليه، ننادي بتشكيل حكومة موحدة قادرة على لم شمل الليبيين، والذهاب الى انتخابات حرة ونزيهة، تشريعية وتنفيذية متزامنة، تفرض من خلالها سلطتها على كامل ربوع الوطن ومنها المعابر، وليشعر المواطن بانه ليبي ولم يعد في حاجة الى تشكيلات مسلحة خارج الدولة. ولتحقيق ذلك لا بد من حل الميليشيات جذريا والسماح لأفرادها بصفة فردية، بالالتحاق بالمؤسسة الامنية او العسكرية او من خلال برامج تدريبية للالتحاق بالمؤسسات المدنية، وان القول بدمج الميليشيات في مؤسسات الدولة سيؤدي الى "تذويبها"، لكنه في الحقيقة سيؤدي الى "تذويب" الدولة في الميليشيات، لأن المليشيات ولاءها بالأساس قبلي/مناطقي، وليس وطنيا، ولعل ما حدث في لبنان والعراق خير دليل.
نعيد التذكير بان المنادين بالفيدرالية والمطالبين بمناطق ذات حكم ذاتي وهم قلّة، يمثلون خطرا على وحدة التراب الليبي. الفيدرالية عفى عنها الزمن وقضى عليها دستور1963. اما الحكم الذاتي، فان رفع أي علم أو راية، عدا العلم الوطني للدولة، يعني تمزيق الدولة الى دويلات قزمية متآكلة، وهذا امر مرفوض شعبيا جملة وتفصيلا.