الكويت.. أربعة قرون من العمل الخيري والتطوعي

عشرات الجمعيات الكويتية تواصل تقديم المساعدات الإنسانية إلى العديد من مناطق الصراعات والكوارث والأزمات بالعالم أجمع منذ أمد بعيد وحتى اليوم.

تواصل دولة الكويت مساعيها لتعزيز موقعها كمركز عالمي للعمل الإنساني، وذلك عبر دعم وتشجيع عمل الجمعيات الأهلية بالبلاد، وتوسيع دائرة عمل تلك الجمعيات بمناطق الكوارث والأزمات في العالم أجمع.

وتواصل عشرات الجمعيات الكويتية أعمالها الخيرية والتطوعية على أرض الكويت وخارجها، وتقديم المساعدات الإنسانية إلى العديد من مناطق الصراعات والكوارث والأزمات بالعالم أجمع منذ أمد بعيد وحتى اليوم.

ومع تعاظم الجهود الإنسانية الكويتية للتخفيف من معاناة البشر على كوكب الأرض، فقد تنبه باحثون وناشطون في مجال العمل الإنساني بالكويت إلى أهمية توثيق المبادرات والحملات والمشروعات الخيرية والتطوعية وكافة الجهود والأنشطة المتعلقة بالعمل الإنساني التي تجري على أرض الكويت، والتي تنطلق منها إلى وجهات عديدة بقارات العالم.

وفي هذا الإطار فقد أعلن في العام 2016 عن تأسيس مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني (فنار)، ليبقى شاهدا على كل ما قدمته الكويت في مجال العمل التطوعي والخيري والإنساني محليا وخارجيا، كمنارة مشعة بالضوء حتى تبقى هذه الأعمال الجليلة والسامية خالدة في ذاكرة التاريخ تتناقلها الأجيال وتفتخر بها بين الأمم.

ومنذ ذلك العام وحتى اليوم، يعمل "فنار" كمركز دراسات بحثية ومؤسسة متخصصة معنية بتوثيق العمل الإنساني والخيري والتطوعي في دولة الكويت، ويسعى المركز لتحقيق الريادة والتميز في توثيق العمل الإنساني الكويتي وإبراز دوره محلياً وعالمياً، إضافة إلى تشجيع ودعم الباحثين في تاريخ الكويت للعمل الإنساني.

تطور العمل الإنساني

وكما يقول الدكتور خالد الشطي رئيس مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني فقد عرفت الكويت العمل الخيري والتطوعي، والإنساني مُبكراً، حيث تواصلت تلك الأعمال وتطورت على مدار أربعة قرون مضت، أي قبل انتشار تكوين المؤسسات والجمعيات الأهلية التطوعية والخيرية الناشطة في مجال العمل الإنساني عربياً ودولياً، والتي باتت تشتهر بها الكويت اليوم، وكما تقول الدراسات المتخصصة لمركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني "فنار"، فقد عُرف الشعب الكويتي بحبه للعمل التطوعي والخيري والإنساني على مر العصور.

وبحسب الشطي، فقد مرّ العمل التطوعي والخيري في دولة الكويت بعدة مراحل منذ تأسيسها، وكان سمة من سمات المجتمع الكويتي قديماً قبل إنشاء المؤسسات التطوعية والخيرية، وفي مطلع القرن العشرين بدأت تظهر مؤسسات تطوعية وخيرية تعبر عن حب الكويت وأهلها للعمل التطوعي والخيري وتظهر تطور المجتمع الكويتي وزيادة عدد سكانه ورغبة من يعيش على شراء في تطويره وتنميته فكانت المدرسة المباركية أول تجربة للعمل التطوعي المؤسسي في دولة الكويت عام 1911،  ثم ظهر بعدها العديد من المؤسسات المتميزة التي أسهمت مع الدولة للارتقاء بالمجتمع وتوفير احتياجاته، كما ظهرت العديد من النوادي الثقافية والأدبية والفكرية التطوعية والتي عبرت عن الحركة الثقافية والفكرية في دولة الكويت، والتي سنحاول توثيقها في الأيام القادمة، ويأتي هذا الإصدار ليقدم نبذة مختصرة عن عدد من هذه المؤسسات التطوعية والخيرية منذ بداية القرن العشرين إلى عام 1961 عند استقلال دولة الكويت، والتي ظهر بعدها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي بدأت تُشرف على جمعيات النفع العام التطوعية والخيرية.

أعمال جماعية وفردية

وهكذا فقد تميزت الكويت بالعمل التطوعي والإنساني منذ تأسيسها في عام 1613 وحتى اليوم، وبالطبع فإنه لم تكن في تلك الفترات المتقدمة من تاريخ دولة الكويت مؤسسات تدير العمل التطوعي والخيري والإنساني بوجه عام، وكانت تلك الأعمال تجري بشكل جماعي حيناً وحيناً آخر تكون أعمال فردية.

وقد تمثّلت الأعمال الجماعية فيما عُرف بالفزعة، حيث يفزع المجتمع الكويتي لأعمال تطوعية حين تدعو الحاجة لها، كما يحدث عند الحروب والكوارث التي تصيب البلاد أو عند بناء السفن والرغبة في إنزالها إلى البحر، مما يتطلب جهوداً تطوعية جماعية يفزع لها رجال ونساء وشباب الكويت الذين يهرعون للقيام بذلك العمل التطوعي.

أما الأعمال الفردية التطوعية فكانت متنوعة، كبناء المساجد وإنشاء الكتاتيب الأهلية للتعليم، وإنشاء الأوقاف الخيرية والأثلاث والوصايا الخيرية، والقيام بأعمال التطبيب والعلاج، أو القيام برعاية ومساعدة الأسر الفقيرة من الأيتام والأرامل وضعاف الدخل وكانت هذه الأعمال التطوعية والإنسانية داخل الكويت وخارجها فقد عرف عن أهل الكويت مساعدة الدول التي يمرون بها أثناء تجارتهم البرية أو البحرية، فقد بنوا فيها المساجد وقدموا المساعدات للمحتاجين، واستمرت الأعمال التطوعية الفردية والجماعية العفوية، وشهد عام 1911 تأسيس أول عمل تطوعي مؤسسي، عندما رغب أبناء الكويت في إنشاء وتأسيس مدارس تعليمية ومؤسسية لتعليم أبناء الكويت العلوم والمعارف، فأسسوا المدرسة المباركية التي تعد أول مؤسسة تطوعية أهلية تعليمية، ثم بادر المجتمع الكويتي بتأسيس العديد من المؤسسات التطوعية التعليمية والخيرية والثقافية للمساهمة في نهضة المجتمع وتنميته.

وقد قام مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني بالتأريخ لنشأة عدد من أوائل المؤسسات التطوعية والخيرية التي تأسست منذ عام 1911، حتى تأسيس وزارة الشؤون عام 1961 التي سمحت بتأسيس جمعيات النفع العام التطوعية والخيرية تحت مظلتها الرسمية

أما قبل ذلك، ففي عام 1954، فقد تأسست دائرة الشؤون الاجتماعية كمؤسسة حكومية لتشرف على المؤسسات التطوعية والخيرية، والتي كان يزيد عددها على خمسة عشر ناديا ومؤسسة وجمعية ثقافية وخيرية، كما قامت دائرة الشؤون أيضا بتقديم المساعدات للمحتاجين داخل الكويت وخارجها، ويجري العمل على توثيق أعمال تلك الدائرة في إصدار خاص.

وبحسب مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني، فقد تأسست بعد استقلال دولة الكويت عام 1961 وزارات الدولة ومنها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لتقوم بدور الإشراف والدعم للمؤسسات التطوعية والخيرية، حتى بلغ عددهـا اليــوم 50 جمعية خيرية وأكثر من 160 جمعية نفع عام وما يقارب من 100 مبرة خيرية، وأكثر من 500 فريق تطوعي، بالإضافة إلى عدد من المؤسسات الحكومية ذات الشأن الإنساني، كما تقوم الشركات التجارية بدورها الرائد في مسؤوليتها الاجتماعية، كما يوجد في الكويت مئات الأوقاف الخيرية والأثلاث والوصايا الخيرية الأهلية التي تقوم بدورها الإنساني خير قيام، وهو ما يؤكد دور دولة الكويت الرائد في العمل الإنساني.

مجموعة من الإصدارات
مجموعة من الإصدارات تؤرخ للعمل الخيري والتطوعي

وقد قدّم مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني "فنار" مجموعة من الإصدارات التي تقترب من الـ30 إصدارا، بجانب مجموعة كبيرة من الأبحاث والتقارير والنشرات الوثائقية، وهي جميعها تؤرخ للعمل الخيري والتطوعي الذي يجري على أرض الكويت، وينطلق منها على شتى مناطق الكوارث والأزمات، والمناطق الفقيرة بالعالم، فقد شرع مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني في الإعداد لتقديم إصدارات جديدة توثق للعمل الإنساني خليجياً وعربياً، وذلك بالتعاون مع بعض مؤسسات العمل الخيري في دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، بجانب التواصل مع مؤسسات ببلدان خليجية أخرى، وذلك لمد أعمال توثيق العمل الإنساني ليشمل كافة بلدان منطقة الخليج والعالم العربي.

جهود في سوريا واليمن

وفي إطار تواصل العمل الإنساني الكويتي بمختلف مناطق النزاع والكوارث بالعالم، فقد قال المركز الكويتي لتوثيق العمل الإنساني "فنار" إن عشرات الملايين من المواطنين السوريين واليمنيين استفادوا من حملات شاحنات السلام الكويتية (شاحنات نواف الخير والعطاء لإغاثة سوريا واليمن) والتي تتواصل على مدار السنوات الماضية.

ووفقا لأحدث تقارير ونشرات مركز "فنار" التي توثق أنشطة المؤسسات الخيرية الكويتية، فقد استفاد 40 مليون موطن سوري ويمني من تلك الحملات التي قامت بها جمعية السلام للأعمال الخيرية والإنسانية، حيث تمكنت الجمعية من تسيير 1535 شاحنة حملت مساعدات لكل من سوريا واليمن بقيمة 55 مليون دولار أميركي خلال السنوات 8 الماضية.

وبحسب الدكتور نبيل العون رئيس جمعية السلام للأعمال الإنسانية والخيرية، فقد استهدفت الجمعية خلال حملاتها للعام 2023، جمع 500 شاحنة.

40 مليون سوري ويمني استفادوا من حملات شاحنات نواف الخير والعطاء

ولفت العون إلى أن الجمعية تميزت بشكل كبير في تنفيذ مشروع شاحنات الإنسانية الإغاثية من خلال تجهيز شاحنات كبيرة لإغاثة سوريا واليمن، مشيرا إلى أن حملات الشاحنات الإنسانية التي تدشنها الجمعية منذ عام 2016 وحتى العام الجاري، أصبح ينتظرها كل من المتبرعين والمستفيدين في كل عام، وكانت نواتها في منطقة العديلية، وتضم هذه الشاحنات موادا غذائية وإغاثية مختلفة.

وأضاف العون بأن هناك أكثر من 2000 مخيم في سوريا تضم ملايين اللاجئين والنازحين وهم بحاجة إلى الإغاثة العاجلة، خاصة وأننا في فصل الشتاء، والثلوج والأمطار غمرت خيامهم، وهناك كذلك 500 مخيم في اليمن، ونحن - بإذن الله وبسواعد أهل الكويت والخليج - نسعى لتخفيف معاناتهم.

من جهته قال مدير عام جمعية السلام للأعمال الإنسانية والخيرية ضاري حمد البعيجان: إننا استبشرنا خيرا ونحن ندشن حملة شاحنات الكويت 2023، مشيرا إلى أن هذه الحملة تحمل اسم الكويت مركز العمل الإنساني، وتعبِّر عن صفات أهلها المحبين لفعل الخيرات والفزعة للأشقاء، شاكراً لكل المتبرعين الكرام حسن تفاعلهم مع الحملات السابقة التي نفذتها الجمعية على مدار 8 أعوام متتالية، وتكللت كلها بالنجاح بفضل الله ثم بفضل تبرعاتهم.

ومن جهته – ووفقا للنشرة السادسة التي صدرت حديثاً عن مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني والتي وثّقت حملات شاحنات الخير التي قامت بها جمعية السلام للعمل الخيري والإنساني على مدار 8 سنوات – فقد أعرب رئيس الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية المستشار الخاص بأمين عام الأمم المتحدة، الدكتور عبدالله المعتوق عن دعمه لكل مشاريع وجهود جمعية السلام للأعمال الإنسانية والخيرية، باعتبارها أحد الوجوه المشرفة للكويت.. بلد العمل الإنساني وأميرها الراحل قائد العمل الإنساني، ونوّه إلى قيام جمعية السلام للأعمال الخيرية والإنسانية، ببناء قرى متكاملة في سوريا وتركيا واليمن وبورما، بجانب تنظيمها السنوي لحملات الشاحنات الإنسانية.

فيما أكد السفير اليمني لدى الكويت، الدكتور علي منصور بن سفاع، على أن الكويت سباقة دوماً في العمل الخيري، خاصة جمعية السلام التي بنت قرية كاملة في تعز، لافتاً إلى أن الحملات الإغاثية من الكويت لليمن مستمرة، معرباً عن عميق شكر بلاده وتقديرها لهذه الحملات، وعلى رأسها جمعية السلام وذلك لمشاريعها الإنسانية والخيرية التي تسعى إلى تنفيذها خلال الفترة المقبلة في اليمن، وهو يدل على أن أهل الكويت ومسؤولي جمعية السلام يؤمنون بأهمية العمل الخيري، وهو لديهم الأمر الثابت والمستمر الذي لا تحكمه المصالح والمتغيرات.

يُذكر أنه في يوم التاسع من شهر سبتمبر/أيلول عام 2014، اختارت منظمة الأمم المتحدة، دولة الكويت مركزاً للعمل الإنساني، وتم تسمية أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، رحمه الله، قائداً للعمل الإنساني، وجرى ذلك خلال احتفال تاريخي رسمي أقامه الأمين العام السابق للأمم المتحدة آنذاك، السيد بان كي مون في مقر الأمم المتحدة وهو الأمر الذي اعتبر من قبل مراقبين بأنه حدث غير مسبوق في تاريخ الأمم المتحدة، حيث جاء ذلك الاختيار عرفاناً وتقديراً من قبل المنظمة الدولية لدور دولة الكويت حكومة وشعباً في الوقوف إلى جانب شعوب العالم ومحاولة التخفيف عن معاناتهم على مر سنوات طويلة مضت، وذلك التطور الإيجابي الكبير الذي شهدته علاقة دولة الكويت مع منظمة الأمم المتحدة، ومساهمة الكويت بشكل فعّال في المساعدات التي تقدم للدول المحتاجة والشعوب المنكوبة في مختلف مناطق العالم، ومساهمات الكويت السخية في كافة الحملات الإنسانية التي دعت لها منظمة الأمم المتحدة، ووكالاتها العاملة في المجال الإنساني والإغاثي.