المرأة قاضية: لا تعطني زهرة ولا تكسر يدي

بين اشهار سيف الدين وتصنع السماحة البذيئة، المجتمع المصري يكشف عن غيرة قبيحة من تولي المرأة القضاء.
ماذا نتوقع من مجتمع تفرح فيه النساء بباقات الزهور وأياديهن مكسورة وعقولهن واهمة
المرأة تتم برمجتها وفقا للنظرة الذكورية لكي ترى أن قمة التكريم يكمن في انتزاع حقوقها

في أحد الصباحات الربيعية الجميلة من عام 2013 كنت في زيارة عمل لأحدى الجمهوريات الإسلامية لروسيا الإتحادية الواقعة في جبال القوقاز البديعة ذهبت إلى منزل صاحبة العمل ففوجئت بأن المكان يزدان بباقات جميلة جدا من الزهور ووجدتها تستقبلني وهي تحمل باقة زهور مرصعة وملفوفة بعناية أخبرتني أنها تلقتها من زوجها ولما استفسرت عن الأمر قيل لي أن اليوم يوافق 8 مارس عيد المرأة وأنه من تقاليدهم في ذلك اليوم أن يهدي الرجل زوجته باقة من الزهور.

كانت سعيدة جدا في ذلك اليوم على غير العادة وهي تحمل باقتها الأثيرة بيدها اليسرى لأن يدها اليمنى كانت لا تزال في جبيرتها منذ أن تم كسرها على يد زوجها منذ بضعة أسابيع. ولما سألتها عن زوجها وأين هو قالت لي في سعادة أنه أهداها الزهور صباحا ثم ذهب ليوزع الباقات الزهرية على باقي زوجاته.

تذكرت هذه القصة وأنا أتابع صفحة الطبيب النفسي الشهير محمد طه صاحب كتاب "ذكر شرقي منقرض" والذي أفنى الكثير من وقته ومجهوده وكتاباته في محاولة منه لضبط السلوك الذكوري الأبوي في المجتمع والتحذير منه ومحاولة علاجه وعلى الرغم من محاولاته في التوفيق بين النصوص الدينية والحقوق الأصلية الواجبة للمرأة وبيان أن هذه الحقوق لا تتعارض مع الدين في شيء، إلا أنه عندما شارك منشورا يستقصي فيه آراء متابعيه عن خبر انضمام نخبة من النساء المصريات في سلك القضاء المصري كانت التعليقات مخيبة للآمال وكأنها لم تتأثر بكتاباته قيد أنملة بل وبدت وكأنها لم تقرأ له سطرا واحدا. واحسب أن مجهود الرجل قد ذهب هباء فلازلنا نعيش بين من يعتقدون بدونية المرأة.

البعض أشهر في وجه محمد طه سيف الدين. فالمرأة ناقصة وشهادتها نصف الرجل ولا يجوز لها تولي القضاء أو الولاية.

والبعض أشهر سيف العلم الزائف متخفيا وراء سماحة بذيئة زاعما أن المرأة تحكمها العاطفة والهرمونات وتأتيها الدورة الشهرية وتحمل وتلد وهذا يمنعها من القضاء.

أما الباقون فقد أظهروا وجه الغيرة القبيحة ولم يحاولوا إخفاءها حتى أن أحدهم كتب معلقا أن المرأة كان أكبر همها أن تضبط الملح في الأكل لزوجها والآن يطالبن بالمناصب متحسرا على الزمن.

واللافت للانتباه أن التعليقات كانت من الرجال والنساء على حد سواء وكأن الأمر متفق عليه والتعليقات أسبابها قد تكون أسبابها مفهومة من الرجال فما بال النساء؟

الواقع يقول بان المرأة تتم برمجتها وفقا للنظرة الذكورية لكي ترى أن قمة التكريم يكمن في انتزاع حقوقها فكانت كمن تفرح بزوج يهديها باقة الزهور بيد ويكسرها باليد الأخرى في نوع من التدجين الممنهج منذ ولادتها وربما من قبل ذلك.

يتم قطع جزء هام من عضوها التناسلي بدعوى حمايتها من الانحراف.

تتم تغطية جسدها بدعوى حمايتها من التحرش.

يتم سرقة إرثها على وعد بان يتم التفضل عليها بالإنفاق لاحقا.

يتم منعها من السفر بدعوى حماية أمنها.

يتم منعها من الولاية على نفسها وعلى أبنائها.

يتم منعها من العمل إلا بإذن وان منحت هذا الحق فله أن يطالبها بمقابل مالي بدعوى تقصيرها في العمل المنزلي الذي هو أصلا غير مدفوع ويتم بدون مقابل.

وليس لها إلا أن تسعد وتبتهج بهذه التكريمات المتتاليات وإلا رفع في وجهها سيف الدين والتهديد بالجحيم الذي هي بالمناسبة أكثر أهله ولسوف تكون سببا في دخول أبيها وزوجها وأخيها إليه إذا لم تنصاع إلى الأوامر هذا طبعا بعد أن تلعنها الملائكة حتى الصباح ان امتنعت عن تلبية رغبات زوجها.

وهكذا فإن المرأة ليس لها الحق في امتلاك جسدها ولا مالها ولا قراراتها ولا حتى تفضيلاتها الشخصية فالكل خاضع لرغبة ذكر ما أيا كانت صلته بها وكله مبرر بالنصوص الدينية وحتى عندما يتكرمون بمنحها أحد الحقوق لابد وأن يغوصوا في تراث أكثر من ألف عام ليجدوا لهم مبررا وليته يعجب الناس.

حدث منذ عقود أن طالبت الدكتورة عائشة راتب بحقها في التعيين كقاضية نظرا لأنها مؤهلة لذلك واعترض حسين سري باشا قائلا إن ذلك ضد تقاليد المجتمع فقامت الدكتورة برفع دعوى ضد الحكومة لانتهاك حقوقها الدستورية ولكن خسرت قضيتها لأسباب سياسية وثقافية، كما ادعى رئيس مجلس الدولة آن ذاك الدكتور عبدالرازق السنهوري. وهكذا لم يتم السماح لعائشة راتب بتولي القضاء ولم لا وهي حفيدة "نبت" أول قاضية ووزيرة في التاريخ المصري منذ عهد الأسرة السادسة والتي كانت واحدة من ضمن النساء اللاتي احتللن مناصب عليا في الدولة المصرية القديمة والتي نقشت ألقابها على الحجر. فهي القاضية والوزيرة والأميرة والتي كان وجودها تحقيقا لأسطورة ماعت ربة العدالة المصرية التي تحمل فوق رأسها ريشة الماعت رمز العدل وتم وصفها بأنها هي التي تتحكم في فصول السنة وحركة النجوم في إشارة لطيفة من المصري القديم على أن المرأة هي مركز توازن الكون.

تأتي حفيدات نبت بعد سبعة آلاف سنة ليتنكرن لقدراتهن ويستهن بها مقتنعات بأنهن لا يصلحن بسبب ادعاءات سخيفة أثبت الواقع والتاريخ القديم والحديث خطأها والأمثلة أوضح من أن يتم ذكرها والإشارة إليها، مبرهنات على التدجين الواقع عليهن مستترا وراء التكريم الزائف ولا يعرفن أن خلاصهن بأيديهن وبالثقة في قدراتهن ومعرفة حقوقهن والسعي إليها ولن يأتي إليهن منحة أو هبه من أحد.

قرأت ذات مرة مقالا يحكي كاتبه قصته مع طفله البالغ من العمر خمس سنوات وكانا يتابعان ايلين كولنز أول امرأة أميركية تقود مركبة فضائية. فسأل الرجل طفله هل تحلم بأن تصبح يوما ما قائدا لمركبة فضائية؟ فأجابه الطفل: ولكنني لست امرأة.

هل تتوقعون بأن هذا الطفل عندما يكبر سيشك يوما في هوية امرأة أو يشكك في قدراتها لكونها امرأة؟ لنتصور معا طفلين أحدهما ولد في مجتمع المرأة فيه رائدة فضاء والآخر ولد في مجتمع المرأة فيه عورة هل سيخرجان إلى الحياة يحملان نفس القيم والمبادئ؟ بل هل سيصلان إلى نفس المستقبل؟

ماذا نتوقع من مجتمع فيه النساء يفرحن بباقات الزهور وأياديهن مكسورة وعقولهن واهمة ينتظرن أن يقوم أحدهم بمنحهن بعض فتات الحقوق يوما ما.

لذلك وفي عيد المرأة أقول:

عزيزتي المرأة كوني على ثقة بقدراتك وطالبي بحقوقك وربي أبناءك وبناتك على ذلك؛

 وأما أنت عزيزي الرجل؛

أرجوك لا تعطني زهرة ولكن أتركني وشأني.