المرجعيات السياسية تضع بصمتها على انتخابات المجلس الشرعي في لبنان

اللوائح الفائزة ترضي جميع الأطراف السنّة، الدينية منها والسياسية وبذلك تكون الطائفة قد أتمت انتخابات المفتين التي لم تحصل منذ عقود وأُنجزت قبل أشهر قليلة، ومن ثم التمديد للمفتي دريان حيث كان هناك خطر للفراغ في هذا الموقع، وأخيرا انتخابات المجلس الشرعي.

بيروت - انتهت انتخابات المجلس الإسلامي الشرعي في لبنان، الأحد بفوز "اللوائح التوافقية" التي شُكّلت في معظمها بدعم من أبرز الأفرقاء السياسيين وعلى رأسها تيار المستقبل لكن ذلك لم يمنع التنافس مع مرشحين آخرين اختاروا خوض المعركة ضدها سعياً لخرقها، وقد نجحوا بذلك عبر مقعدين.

ووضع تيّار المستقبل اللمسات الأخيرة على لائحة توافقية خاضت انتخابات المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في بيروت، حيث شهدت مفاوضات اللحظات الأخيرة صعوبات كان يخشى أن يستغلها فؤاد السنيورة لدعم لائحة مضادّة.

وقالت مصادر مطلعة على الانتخابات أن اللوائح التي تم التوصل إليها "ترضي جميع الأطراف السنّة، الدينية منها والسياسية".
وترى أن الطائفة السنية تكون قد تجاوزت ثلاث امتحانات أساسية، أولاً انتخابات المفتين التي لم تحصل منذ عقود وأُنجزت قبل أشهر قليلة، ومن ثم التمديد للمفتي دريان حيث كان هناك خطر للفراغ في هذا الموقع، وأخيرا انتخابات المجلس الشرعي.

وكان من المنتظر أن تفتح نتائج الانتخابات الباب أمام تجديد "برلمان المسلمين" في لبنان بعد انتخابات المفتين في طرابلس والشمال والبقاع وعكار وراشيا وهذا يدفع بالعديد من المطالب المرافقة لانتخابات المجلس وأهمّها تعديل وتطوير أعضاء الهيئات الناخبة في المناطق بالإضافة إلى تطوير العمل الوقفي والتصدّي للشؤون الوطنية الضاغطة.

 أمين سلام: انتخابات المجلس الشرعي الأعلى الذي يُعدّ الركن الأساسي للطائفة السنيَّة، تمت وفق النظم والمعايير دون أي عرقلة

وتأتي هذه الانتخابات بعد أسابيع قليلة على تمديد المجلس الشرعي ولاية مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان التي كان يُفترض أن تنتهي بعد نحو سنة ونصف السنة، مع بلوغه السن القانونية (73 عاماً)، ما سمح له بالاستمرار في منصبه حتى عام 2028.

والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى هو الهيئة المخوّلة سلطة إصدار النظم والقرارات والتعليمات التي يقتضيها تنظيم شؤون المسلمين الدينية، وإدارة جميع أوقافها الخيرية، ومراقبة تنفيذها، ومراقبة أعمال المديرية العامة للأوقاف الإسلامية، ودوائر الأوقاف في المناطق ومجالسها الإدارية ولجانها.

وتتشكل الهيئة الناخبة للمجلس الشرعي الذي تعكس قراراته توجهات المرجعية الدينية للطائفة السنية من مفتي الجمهورية اللبنانية، ورئيس الحكومة ورؤساء الحكومة السابقين، إضافة إلى النواب والوزراء السنَّة الحاليين.
وشارك أيضاً في العملية الانتخابية إضافةً إلى أعضاء المجلس الشرعي، مدير العام للأوقاف وأعضاء لجنتها وأمين الفتوى والشيوخ الرسميون وأساتذة الدين التابعون للأوقاف، ورؤساء الدوائر الوقفية، والقضاة الشرعيون الحاليون والقضاة السنَّة المدنيون الأئمة المنفردون والمثبتون والمتعاقدون والمكلفون، وأعضاء المجلس الدستوري السنّة والمجالس البلدية في المناطق التي تضم الرؤساء والأعضاء.

المفتي عبداللطيف دريان: هذه الانتخابات هي تأكيد أننا كنا وسنبقى ملتزمين بالأنظمة والقوانين حرصاً منا على النهوض بمؤسساتنا التي هي جزء لا يتجزأ من النظام العام للدولة اللبنانية

 

ويقول منتقدون لآلية عمل المجلس أن مسألة تطوير العمل الوقفي المنوطة بالمجلس الشرعي، ترتبط بشبكة كبرى من المصالح القائمة على الاستيلاء على أراضٍ وقفية من محسوبين على جهات سياسية تتوزّع النفوذ في المناطق، أو من خلال استغلال النفوذ لاستثمار العقارات الوقفية بأبخس الأثمان.
وبعد أن افتتح المفتي دريان عملية الاقتراع، وأدلى بصوته في بيروت، قال إن "إجراء انتخابات المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى هو تطبيق للقوانين المرعية الإجراء، وهذه الانتخابات هي تأكيد أننا كنا وسنبقى ملتزمين بالأنظمة والقوانين حرصاً منا على النهوض بمؤسساتنا التي هي جزء لا يتجزأ من النظام العام للدولة اللبنانية".

وأضاف "تجري الانتخابات بشفافية وسلام وحرص متبادل من كل المرشحين الذين نأمل من الفائزين منهم على مقاعد المجلس الشرعي أن نكون معاً في خدمة المجتمع الإسلامي خاصة واللبناني عامة".

وشدد أن "دار الفتوى هي دار جامعة وحاضنة لكل العلماء والعاملين بالجهاز الديني إضافة إلى مهامها الوطنية الجامعة، وستبقى دار الاعتدال والوسطية والانفتاح والحرص على وحدة المسلمين واللبنانيين جميعاً".

من جانبه، قال الرئيس السابق للحكومة تمام سلام إن "التنافس في هذا المجال أمر مطلوب ومشروع، ويغني هذا الاستحقاق، وهو إلى جانب استحقاقات أخرى ضمانة لنا في إدارة مؤسساتنا ومواكبتها، وفي مقدمتها دار الإفتاء وما يعود بالخير على الطائفة السنّية خاصة، وعلى المسلمين عامة في لبنان".

أشرف ريفي: لم نقبل بأن يفرض على هيئة ناخبة نوعية أسماء ولوائح معلبة ومحاصصة، لذلك طالبنا بترك الأمور للهيئة الناخبة النوعية المتعلمة؛ فهي جديرة باختيار الأفضل

 وعن المطالبة بفصل السياسة عن انتخابات المجلس الشرعي قال "أنا لا أرى شيئاً من السياسة اليوم، أرى انتخابات مجلس شرعي جيدة، طبعاً يوجد بعض السياسيين بحكم النظام والقانون والدستور الذي يتحكم بأوضاعنا بالطائفة، نعم، هناك سياسيون لهم دور بحكم مراكزهم ولكن هذا الجو اليوم مثلما نتابع جميعاً ليست له علاقة بالسياسة أبداً".

من ناحيته، قال وزير الاقتصاد أمين سلام "في خضم التعطيل المتعمد الذي تشهده الاستحقاقات الدستورية الداهمة على صعيد الانتخابات الرئاسية، مروراً بالانتخابات البلدية والاختيارية، وصولاً إلى الشلل التام في مؤسسات الدولة، تجري في دار الفتوى انتخابات مجلسها الشرعي الأعلى الذي يُعدّ الركن الأساسي للطائفة السنيَّة، وفق النظم والمعايير التي وضعها النظام الداخلي، دون أي عرقلة أو مراوحة في العملية الانتخابية". وأضاف "فعلياً، فإن هذه الانتخابات تأكيد لمبدأ تجديد القيادات السنّية، وأكبر دليل على أن هذا المكوِّن السنّي يعيش حالة تداول السلطة بطريقة ديمقراطية رصينة وراقية وموثوقة".

وفي الشمال، حيث قرَّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عدم التدخل بالانتخابات، لم يتم التوافق على العضو الذي يمثل عكار وخاض 4 مرشحين المعركة، بينما تم التوصل في طرابلس إلى لائحة شبه توافقية مؤلفة من 7 أعضاء تحظى بدعم معظم الجهات السياسية الفاعلة في المنطقة، بينما قرر 12 مرشحاً خوض المعركة دون لوائح وبتحالفات منفردة. وعلى غرار بيروت أيضاً، خرق مرشحان منفردان اللائحة التوافقية.

وبعد إدلائه بصوته في دار الإفتاء بطرابلس، قال وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي "هذا المجلس الذي يلعب دوراً كبيراً في الطائفة السنّية التي أعطت لبنان وتمسَّكت أكثر وأكثر بوحدة لبنان وكانت وما زالت تعطي النموذج الصالح من خلال خير أبنائها".

ولفت أنه "للمجلس الإسلامي الأعلى دور كبير بحماية الأملاك الوقفية وحقوق المواطنين والتمسك بالأمور الوطنية التي تؤدي إلى وحدة لبنان بلجانه الشرعية والقضائية".

بدوره، قال النائب أشرف ريفي بعد إدلائه بصوته "صوتنا هو لمن نراه الأفضل... لذلك لم نقبل بأن يفرض على هيئة ناخبة نوعية أسماء ولوائح معلبة ومحاصصة، لذلك طالبنا بترك الأمور للهيئة الناخبة النوعية المتعلمة؛ فهي جديرة باختيار الأفضل". وأضاف "دور هذا المجلس وطني، فلبنان وطن تعددي، والسنّة هم أكبر مكوّن في لبنان ومنتشر جغرافياً، فنحن مَن نستطيع أن نخلق توازناً، وذلك بالشراكة مع إخواننا المسيحيين والدروز والشيعة اللبنانيين والأحرار، ولا شك أن الطائفة مرَّت بمرحلة انتقالية إنما هذا لا يعني الانكفاء، يجب أن نجدد أنفسنا واليوم نثبت أننا نريد التجديد في خيارات الطائفة السياسية والدينية".