المساومات الانتخابية تربك اقرار جداول الموازنة

من المرجح عدم إرسال الموازنة إلى البرلمان، حتى مطلع العام القادم في ظل مخاوف من استغلالها في الدعاية الانتخابية.

بغداد – يواجه العراق تداعيات التأخر في إرسال جداول الموازنة من وزارة المالية إلى البرلمان، الأمر الذي ألقى بظلاله على قطاعات عدة، وعلى وجه الخصوص موظفي الدولة والمشاريع الخدمية، ليتحول هذا الملف إلى أداة سياسية" يستخدم وسيلة للضغط والمساومة بين الكتل في الموسم الانتخابي.

وعلى الرغم من أن البرلمان أقر موازنة لثلاث سنوات، إلا أن جداول عام 2025 لم تصل حتى الآن من وزارة المالية، وهو ما تسبب في عرقلة النقاشات التشريعية اللازمة لإقرارها، في وقت يشهد فيه العراق واقعًا ماليا صعبا، نتيجة لتراجع أسعار النفط، الذي لا يزال يمثل المصدر الرئيسي للإيرادات العامة.

ومن المرجح عدم إرسال الموازنة إلى البرلمان، مع الحديث عن تأجيلها إلى العام القادم في ظل مخاوف من استغلالها في الدعاية الانتخابية، غير أن هذا التأجيل يهدد الاستقرار المالي والمشاريع الخدمية والتنموية وصرف الرواتب والمستحقات وغير ذلك من الآثار التي تنعكس بشكل مباشر على حياة الأسر العراقية اليومية.

وكشف عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر، في تصريحات سابقة عن عدم إرسال جداول موازنة 2025 من قبل الحكومة، مؤكدًا أن ذلك يمثل مخالفة قانونية.

وأضاف أن "الحكومة ترى أنها لا تحتاج إلى موازنة جديدة عمليًا، بسبب عدم إنفاق كامل موازنتي 2023 و2024، إضافة إلى تخوفها من استخدامها في الدعاية الانتخابية، فضلًا عن نقص السيولة الذي يعيق إدراج أي مشاريع استثمارية جديدة".

ويحمل العديد من المسؤولين العراقيين، وزارة المالية المسؤولية الكاملة عن هذا التأخير، والضرر الناتج لم يقتصر على تأخير التصويت فحسب، بل امتد ليطال ملفات إدارية حيوية مثل النقل، العلاوات، احتساب الشهادات، الترفيعات، والخدمة، مما أثر بشكل مباشر على شريحة واسعة من موظفي الدولة والمواطنين العاديين.

وتمتد آثار التأخير على الجانب الإداري، بل تطال أيضًا المشاريع الخدمية والتنموية، التي تعتمد في تمويلها على التخصيصات المدرجة ضمن جداول الموازنة، وتوقف أو بطء هذه المشاريع يشكل تهديدًا مباشرًا لجودة الخدمات المقدمة للمواطنين، خاصة في المحافظات التي تعتمد بشكل كبير على التمويل المركزي.

ويحذر مختصون من التداعيات الاجتماعية الخطيرة الناجمة عن الواقع الاقتصادي المتردي في العراق، وخصوصاً ما يتعلق بتأخر إقرار الموازنات العامة سنوياً، مؤكدين أن هذا التأخير لا يُعد أزمة مالية فحسب، بل يمثل أزمة اجتماعية تمسّ بنية المجتمع وتماسكه.

وتتطلب مواجهة هذا الواقع المالي الجديد قرارات جريئة وإرادة سياسية متماسكة، تضع في أولوياتها مصالح المواطنين واستقرار المؤسسات.

وبحسب الدستور العراقي، يمتلك مجلس النواب صلاحية تقليص التخصيصات المالية دون زيادتها، وقد أشارت اللجنة المالية النيابية إلى نيتها استخدام هذه الصلاحية لضبط الإنفاق العام بما يتناسب مع الموارد الحقيقية المتاحة، في ظل تراجع العائدات النفطية. وهذه الخطوة من شأنها أن تفرض معايير جديدة في إعداد الموازنات، تركز على الكفاءة والفعالية بدلاً من التقديرات الفضفاضة.

وعلقت الباحثة الاجتماعية رقية سلمان، على هذه القضية بالقول إن "الاضطراب في السياسات المالية، وتكرار سيناريو تأخير الموازنة، يؤدي إلى تعطيل المشاريع الخدمية والتنموية، وتأجيل صرف الرواتب والمستحقات، وغياب فرص العمل، وكل ذلك ينعكس بشكل مباشر على استقرار الأسر العراقية، لا سيما الفئات الهشة والمعتمدة على الرعاية الاجتماعية أو العقود المؤقتة".

وأشارت سلمان خلال تصريح لوكالة شفق نيوز المحلية، إلى أن "الواقع المعيشي لأغلب العراقيين بات مرهوناً بتقلبات سياسية، حيث تُستخدم الموازنة أداة للضغط والمساومة بين الكتل، دون مراعاة للأثر الذي تتركه هذه المماطلات على حياة الناس اليومية، من تأخر دفع الإيجارات، إلى العجز عن تلبية الحاجات الأساسية من الغذاء والتعليم والعلاج".

وتابعت أن "تأخر المشاريع المرتبطة بالموازنة، مثل المدارس والمراكز الصحية والبنى التحتية، يعمّق الفجوة بين المواطن والدولة، ويؤدي إلى مشاعر الإحباط واليأس، خاصة لدى الشباب الذين يترقبون فرص عمل أو تدريب"، مؤكدة أن هذا الوضع "يؤثر سلباً على الصحة النفسية والاجتماعية ويزيد من نسب الهجرة والبطالة والعنف الأسري".

وقد أكد أحد أعضاء اللجنة المالية النيابية النائب معين الكاظمي أن جداول الموازنة التي تعمل عليها وزارة المالية تم إعدادها بأسلوب روتيني لا يعكس التغييرات الاقتصادية المستجدة، مطالبًا بأن تكون هذه الجداول أكثر واقعية، مبنية على الإيرادات الحقيقية وليس التقديرية، مع ضرورة تكييف الإنفاق مع الموارد المتاحة.

كما تم التنبيه إلى أن أرقام التنفيذ الفعلي لموازنات 2023 و2024 كانت أقل بكثير من التقديرات الرسمية، ما يدل على فجوة مستمرة بين التخطيط والتمويل والتنفيذ، تستدعي مقاربة مالية جديدة تقوم على أساس المرونة والانضباط المالي.