المصافحة بين أردوغان والسيسي تفتح الطريق لمصالحة صعبة

مصر وتركيا تؤكدان على عمق العلاقات التاريخية ببين البلدين بعد سنوات من العداء في خطوة تتيح استكشاف فرص إعادة تطبيع العلاقات، بينما تثقل ملفات خلافية وازنة على جهود التقارب المعلن.
أردوغان يطرح تغيير مصر لموقفها من ملف شرق المتوسط شرطا للمصالحة
تركيا تحتاج بشدة لمصالحات مع الخصوم وسط مخاوف من العزلة
سياسات أردوغان العدائية اضرت بالاقتصاد التركي

القاهرة/أنقرة - أعطت المصافحة التاريخية بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والمصري عبدالفتاح السيسي أمس على هامش حفل افتتاح مونديال قطر، انطباعا قويا بأن البلدين الخصمين يمهدان لإعادة تطبيع العلاقات بعد سنوات من العداء وهو ما أكده أردوغان اليوم الاثنين في تصريحات مقتضبة بعد عودته من الدوحة وايدته الرئاسة المصرية ببيان في نفس الاتجاه، واصفة العلاقات المصرية التركية بـ"العميقة".

ونقل التلفزيون المصري عن متحدث باسم الرئاسة قوله إن الرئيس عبدالفتاح السيسي تصافح مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان وتم التوافق على أن تكون تلك بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين.

وأضاف أنه "تم التأكيد المتبادل على عمق الروابط التاريخية التي تربط البلدين والشعبين المصري والتركي".

وقال أردوغان إن المصافحة التي تمت بينه وبين السيسي في قطر أمس الأحد كانت خطوة أولى نحو مزيد من التطبيع في العلاقات بين البلدين، مضيفا أن تحركات أخرى ستليها.

ونقلت قناة خبر ترك عن الرئيس التركي قوله في تصريحات أدلى بها على متن الطائرة في رحلة عودته من قطر، إن طلب أنقرة الوحيد من مصر هو تغيير أسلوبها تجاه وضع تركيا في البحر المتوسط.

وكان يشير إلى توترات شديدة بين القاهرة وأنقرة حول هذا الملف بالغ الحساسية بالنسبة للبلدين وهو ما دفعه لذكره بالإسم، حيث كانت مصر قد أعلنت مؤخرا على لسان وزير خارجيتها سامح شكري، رفضها علنا للاتفاقية التي وقعتها حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها بقيادة عبدالحميد الدبيبة مع تركيا والتي تمنح الأخيرة حق التنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية.

ولم يكن الاعتراض المصري استثناء في سياق اعتراضات سابقة على اتفاقيات وقعتها طرابلس وأنقرة ومنحت تركيا هامشا واسعا للتحرك وتعزيز نفوذها وتمددها ليس في الساحة الليبية فقط بل في العمق الافريقي الذي تعتبر ليبيا بوابته الرئيسية.

وتعود الخلافات بين الخصمين الإقليميين إلى العام الماضي حين دشنت تركيا عمليات تنقيب في شرق المتوسط على مكامن النفط والغاز في أنشطة اعترضت عليها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واعتبرتاها خرقا لقانون البحار الدولي مع تفاقم النزاعات بين أنقرة واثينا حول حقوق التنقيب في المياه الدولية إلى جانب نزاع بحري متافقم في بحر إيجه.

وفي خضم تلك التوترات بدأت كل من مصر واليونان وقبرص محادثات ثلاثية لتشكيل جبهة في مواجهة الانتهاكات التركية في شرق المتوسط بينما انضمت إسرائيل للدول المنتقدة للأنشطة التركية.

وحرص أردوغان في حديثه عن تطبيع العلاقات مع مصر على الإشارة إلى ملف الخلافات في شرق المتوسط، بينما تمتد الخلافات المصرية التركية إلى ابعد من ذلك فثمة قضايا لا تزال عالقة بين الجانبين في ما يتصل بالموقف التركي الداعم لجماعات الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان المصرية المحظورة.

وإن أبدت تركيا في هذا الملف إشارات ايجابية بإجبار قنوات اخوانية تبث من اسطنبول على التوقف عن مهاجمة النظام المصري وإلغاء برامج دأبت على التحريض والعنف عن التوقف، إلا أن القاهرة لا تزال تنظر بريبة للتقلبات التركية والانعطافات البراغماتية للرئيس رجب طيب أردوغان.

وفي الأشهر الماضية كانت هناك اتصالات دبلوماسية وأمنية بين القاهرة وأنقرة لكنها لم ترق إلى مستوى التطبيع الكامل للعلاقات وظلت عند مستوى الاستكشاف.

وفي الوقت الذي سرّعت فيه تركيا من خطوات المصالحة مع كل من الإمارات والسعودية ولاحقا مع إسرائيل، ظلت الخطوات باتجاه مصر بطيئة وحذرة من الجانبين.

وترغب تركيا بشدة في تسوية خلافاتها الإقليمية مدفوعة بمخاوف من العزلة وأيضا بسبب وضع اقتصادي قاتم كان في جزء منه نتاج سياسات خارجية عدائية.

وتحاول تركيا استعادة ثقة شركائها العرب والخليجيين لإعادة إنعاش اقتصادها وتنشيط سوقها التي تحولت في السنوات الماضية إلى سوق طاردة للاستثمارات وتضررت بشدة بعد أن هجرها المستثمرون الخليجيون.

ويأمل الرئيس التركي من خلال تهدئة التوترات وإعادة تصحيح مسار العلاقات مع الخصوم الإقليميين، أن يستقطب خصوم الأمس إلى السوق التركية والاستفادة من استثمارات ضخمة.

وتكابد تركيا في مواجهة حالة من الاضطراب المالي مع انهيارات متتالية ضربت الليرة التركية ومع ارتفاع قياسي في معدل التضخم وشح في السيولة والنقد الأجنبي، بينما لا تبدو أنها تملك خيارات واسعة في معالجة الأزمة إلا عبر العودة للانفتاح على شركائها السابقين.