'الموروث' تُضيىء على اللباس التقليدي للعروس في تونس

المجلة تستعرض جهود تدوين الأدب الشعبي في العراق وترصد التقاليد القصصية في "ألف ليلة وليلة".

صدر في الشارقة العدد 30 لشهر حزيران/ يونيو 2023، من مجلة الموروث الفصلية المحكمة، المعنية بالتراث الثقافي، والتي تصدر عن معهد الشارقة للتراث. 

وضم العدد ملفاً خاصاً حمل عنوان: "من الفضاء الهندسي إلى الفضاء التشكيلي: قراءة في حضور اللباس كقيمة مضافة (غرفة العروس بالجنوب التونسي نموذجًا).

وفي الكلمة الافتتاحية للعدد، اضاء الدكتور عبدالعزيز المسلّم، رئيس معهد الشارقة والتراث، ورئيس التحرير، على ما احتوته المجلة من مشاركات متنوعة لنخبة من الكتاب والباحثين الذين تناولوا عبر بحوثهم ومقالاتهم الكثير من القضايا والموضوعات المتعلقة بالتراث. 

وكما أسلفنا، فقد تصدّر العدد ملف اللباس التقليدي لدولة تونس الشقيقة، وهو الملف الذي احتوى على خمس دراسات تستهلها الباحثة زينب قندوز بمداخلة تتابع فيها شغفها في القراءة التي تجمع بين معطيات الدراسة الأنثروبولوجية والهندسية لفضاءات المسكن التقليدي بالجنوب التونسي، كاشفة عن جماليات الرؤية البصرية من خلال تواشج رموز البنية الهندسية وعلاماتها المؤثثة للمسكن مع العناصر العمرانية المستجيبة للمعطيات الاجتماعية والثقافية والمؤكدة لهوية الحوش التقليدي وغرفة العروس خاصة. 

الذاكرة الجمعية 

 من جهة أخرى نجد الباحثة ابتسام النوى وهي تسلط الضوء على الجنوب الغربي التونسي، لتقف بنا على واحد من طقوس الذاكرة الجمعية المعروفة بـ "يوم الفتول" الذي ينطوي على مظاهر احتفالية خاصة بالعروس، بهدف تهيئتها للزواج وفراق الأهل، والمعروفة بطقس العبور. أما الباحثة ميارى عزديني فتقدم لنا إحدى تجاربها الشخصية في استلهام أحد التقاليد الشعبية التي عرفت بها مدينة صفاقس التونسية، حيث تقوم فيه المرأة بعد الولادة مباشرة بشرب عصير الغذاء الشعبي المكون من قرون الخروب ذي القيمة الغذائية، لتتخذ منه الباحثة تصميماً مبتكراً يربط المادة الغذائية التراثية بالتصميم العصري، حيث يأخذ شكل مظهر من مظاهر زينة المرأة وأناقتها، وبما يحقق هدفاً على جانب من الأهمية في الجمع بين المعطيين وصون المكون التراثي. 

 في حين تعود بنا الباحثة يمينة هلالي إلى مدينة المُكنين الواقعة على الساحل الشرقي لتونس ومع لباس العروس الخاص بها الذي يبدو مزيجاً من الفن والعادات والتقاليد التي زانتها الصناعة اليدوية التي أتقنتها المرأة المكنية خياطة وتطريزاً، وقد زينته الحلي المرافقة له، ما جعل نساء المدن المجاورة الأخرى يستعن بهن. 

 أما آخر دراسات الملف فلم تبتعد عن المحور نفسه، إذ تابعت فيه الباحثة عواطف منصور بن علي، لباس العروس في منطقة الحمامات، حيت انتقلت للمنطقة وتابعت جمالية حرفة تطريز الزي التقليدي للعروس وطرز زركشته وألوانه، عارضة لمؤثراته البيئية ومستوياته الاجتماعية والاقتصادية، وكاشفة عما انطوى عليه من تشكيلات فنية أكسبته جمالية ومسحة من الأناقة. 

موروثاً إنسانياً مشتركاً 

وتطالعنا أولى مقاربات ما بعد الملف التونسي مقاربة الباحث رشيد الزعفران الذي عالج فيها شكلاً من الممارسات التقليدية في مجتمع واحة غريس بالجنوب الشرقي من المغرب، كاشفاً عما تنطوي عليه من قيم وطقوس، بوصفها موروثاً إنسانياً مشتركاً ونتاجاً جمعياً يقوم على مبدأ المشاركة والتبادل، بعيداً عن منطق السوق والجانب الربحي إذ تمثل ضرباً من ضروب الرأسمال الموظف للدعم والمساعدة وقت الحاجة إليه، وهي القيم التي تشهد انحسارها في مجتمعاتنا اليوم، حيث قدم لنا وصفاً لطبيعة هذه الممارسة التقليدية ومراحلها وكيفية اشتغالها والغايات التي هدفت إلى تحقيقها.  

أما الباحث عبد السلام الجعماطي فقد توفر على دراسة جانب لم يلق الاهتمام الكافي من الباحثين على الرغم من أهميته في الكشف عن تاريخ مجتمعاتنا والأساليب التي كانت تعتمد عليها في نمط العيش وعوائدها في الحصول على الطعام. حيث اختار الباحث تناول حرفة الصيد البحري في المغرب الأقصى، معتمداً على آليات منهج التاريخ الجديد، أحد تجليات مدرسة الحوليات؛ لإعادة قراءة نصوصنا التراثية برؤى جديدة، واكتشاف ما ظل بعيداً عناء من قيم التراث وممارساته المضيئة.  

الخنجر اليمني 

ويأخذنا الباحث مبروك محمد الذماري، نحو أحد أبرز مظاهر اللباس اليمني ومكملاته عند الرجال المعروف ب (الجنبية) الخنجر الذي يستقر على خصر الرجل اليمني ولا يستغني عنه، كونه جزءاً مكملاً للباسه. وقد سعى الباحث إلى تتبع ظهوره تاريخياً وصلته بالتقاليد والأعراف، وقد جمعت الدراسة بين البحث المنهجي والدراسة الميدانية للكشف عن عمق هذا العرف وقيمته الرمزية والجمالية، فضلاً عن كشفه عن طرق صناعة الجنبية ومراحلها.  

فيما عكف الباحث منتظر الحسني على قراءة إحدى حكايات ألف ليلة وليلة في ضوء خصائص نوعها ووحداتها السردية المطردة لينتهي إلى تمييز حكايته موضع الدرس (عجيب غريب) وخروجها عن نمطية تقاليد بنية الليالي ومضامينها على الرغم من احتفاظها بشكلانية النوع وجماليته. أما الباحث علي مهنا مزعل فقد عني في دراسته بتقديم خلاصة ضافية لجهود تدوين الأدب الشعبي في العراق منذ مطالع القرن العشرين، من خلال أبرز أنواعه: الشعر والحكايات والأمثال والمواويل والأهازيج وأشعار ترقيص الأطفال، على مستوييه الفردي والمؤسسي، مقارناً بينهما، ومتابعاً آليات جهود الجمع الميداني ومزية كل منهما ونواقصهما، لينتهي إلى إحصائيات ونتائج تخص المناطق التي شملتها تلك الجهود وفضاءاتها.  

متحف الفن الإسلامي بالقاهرة 

وفي موضوعات العدد أيضاً، قدم الباحث مصطفى الكيلاني دراسة من منظور معرفي وبعد فلسفي، يتناول فيه المعتقدات والطقوس الاحتفالية الثيامية لسكان "كيرالا" التي تتوزع على تسع وثلاثين ملة ثيامية وخمسمئة آلهة كاشفاً عن أبعادها الاجتماعية والأنثروبولوجية والإثنية ومناقشاً دور الفرد وجسده، وكذا الفنانين والجمهور في طقس هذه الممارسة، وكيفية الاحتفال بها.  

وتختتم المجلة عددها الثلاثين، بمقاربة الباحث عبد المقصود محمد الذي يضعنا في قلب "متحف الفن الإسلامي بالقاهرة منذ بداية التفكير في إنشائه في عهد الخديوي إسماعيل قبل 250 سنة، حين بدأ جمع الآثار النادرة في ركن من باحة مسجد الحاكم بأمر الله، وما أعقب ذلك من تخصيص قطعة أرض في ميدان باب الخلق، لبناء المتحف واستمرار تزويده بالتحف الأثرية، حتى احتلاله المركز الأول بين المتاحف الإسلامية على مستوى العالم، فضلاً عن تعريفنا بأساليب عرض التحف وعددها ومساحة القاعات والمكتبة التي يحويها المتحف والمراجع العلمية التي تضمها. 

يُذكر أن مجلة "الموروث" تُعني بالموروث الثقافي، وتصدر عن معهد الشارقة للتراث، ويرأس تحريرها الدكتور عبد العزيز المسلّم، ومدير التحرير الدكتور صالح هويدي. 

 وتضم الهيئة الاستشارية للمجلة الدكاترة: حمد بن صراي، وخزعل الماجدي، وسعيد يقطين، وضياء الكعبي، وعبد الحميد بورايو، ومحمد الجويلي، ومحمد حسن عبدالحافظ..  

فيما تضم هيئة التحرير الدكاترة: راشد المزروعي، عبد الله المغني، عبد الله يتيم، مبروك بوطقوقة.. فيما تتولى لطيفة المطروشي السكرتارية التنفيذية، والتصميم والإخراج لمنير حمّود، والتدقيق اللغوي لبسام الفحل.