الوصية الأميركية

كانت روسيا صادقة في مشروعها السوري حين سبقته باتفاق معلن مع إسرائيل أما إيران فقد كانت تكذب في مشروعها العراقي حين رفعت شعار العداء لإسرائيل.

تركت الولايات المتحدة سوريا التي حطمتها الحرب حصة لروسيا. فهل فعلت الشيء نفسه حين سلمت العراق الذي حطمته بنفسها إلى إيران؟

في الحالين يبدو الهدف الأميركي واضحا. هناك دولتان تحولتا إلى أشلاء، من الأفضل التخلي عنهما وتسليمهما إلى جهة تكون مهمتها الحفاظ على تلك الأشلاء في حالة تقع ما بين الموت والحياة.

حيوية كاذبة وماكرة مثل تلك التي يشهدها العراق على المستوى السياسي سيكون على سوريا بعد أن تنتهي فصول الحرب أن تشهدها، حيث سيكون هناك دستور جديد وقانون للأحزاب وصحف وقنوات فضائية فيما سيتوزع السوريون بين طوائفهم وأعراقهم لخوض غمار التجربة الديمقراطية الشكلية في ظل رقابة روسية صارمة.

عمليا فإن الولايات المتحدة وهي التي حرضت كثيرا على الحرب في سوريا ودعمت بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من خلال شركائها في المنطقة فصائل من المعارضة المسلحة لا تحتاج إلى أن تطل من الشباك لترى النتائج التي صار الروس مسؤولين عن توظيفها على مستوى صناعة واقع سوري جديد. هو ذلك الواقع الذي صارت إسرائيل مستعدة للتعامل معه.
واقعيا فإن الكارثة التي ضربت سوريا كسرت الحاجز الوطني الذي كان يفصل بين السوريين موالاة ومعارضة وإسرائيل. بالنسبة للموالين للحكومة السورية باعتبارها طرفا في النزاع فإن تركيا كانت أكثر خطرا من إسرائيل أما بالنسبة لمعارضي تلك الحكومة فقد احتلت إيران موقع العدو الأول بدلا من اسرائيل. هناك الكثير من أوجه الشبه بين العراق وسوريا على مستوى المزاج السياسي الشعبي في ما يتعلق بالنظر المستحدث إلى الدولة العبرية.

وإذا ما كانت إسرائيل تفضل من جهتها إقامة علاقات طبيعية مع أنظمة سياسية عربية قوية ومستقرة فإنها في حالتي العراق وسوريا لم تحرز نجاحا يُذكر لذلك كان البديل القبول بدولة مهشمة ورثة في كلا البلدين، لا يشكل وجودها خطرا إلى وقت غير معلوم.

وكما يبدو فإن الولايات المتحدة قد انجزت الرؤية الإسرائيلية في العراق وسوريا على حد سواء.

فإذا ما كانت الولايات المتحدة قد تحاشت الصدام مع روسيا في سوريا وهو ما دفعها إلى خيانة وعودها السابقة للمعارضة السورية فما الذي دفعها إلى التخلي عن العراق وقد كان في قبضتها بعد أن غزوته بجيوشها ودمرت دولته الوطنية وأنهت عصر استقلاله السياسي؟

أعتقد أن مقاومة "نظرية المؤامرة" لا تنسجم مع الوقائع التي نذكرها.

لقد سُلم العراق إلى إيران وهو غنيمة حرب أميركية بطريقة سلسة من خلال وسيط إيراني ــ أميركي هو حزب الدعوة الذي سبق له أن استهدف المصالح الأميركية بعمليات إرهابية في لبنان والكويت والسعودية.

كما أن سوريا قد سُلمت إلى روسيا بعد أن بالغت تركيا في أسلمة الخلاص السوري وهو ما لا يرضي إسرائيل. فالأسلمة على الطريقة الإيرانية ليست كالأسلمة على الطريقة التركية.

لإسرائيل طريقتها الخاصة في النظر إلى الإسلام السياسي.

في الدولتين (العراق وسوريا) حاربت الولايات المتحدة نيابة عن إسرائيل. ولكن إسرائيل كان لها الدور الأكبر في انهاء الدور الأميركي في المنطقة.

لقد صار عليها أن تتصدر المشهد الذي صنعته في الخفاء.

ليست لدى إسرائيل مشكلة في إقامة علاقات طبيعية مع الدولة السورية التي يترأسها بشار الأسد. كما أنها تملك قنوات اتصال عديدة مع الأحزاب الدينية الحاكمة في العراق برعاية إيرانية.

وإذا ما عرفنا أن إيران تراهن على الموقف الإسرائيلي في تليين الموقف الأميركي في ما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية فإن حكام العراق الذين هم أتباعها لن يجدوا في الوقت متسعا للاهتمام بالقضية الفلسطينية.

كانت روسيا صادقة في مشروعها السوري حين سبقته باتفاق معلن مع إسرائيل أما إيران فقد كانت تكذب في مشروعها العراقي حين رفعت شعار العداء لإسرائيل.

كان الطرفان الروسي في سوريا والإيراني في العراق مخلصين للوصية الأميركية.