اليسار الفرنسي يستعد لمناقشات داخلية شاقة لتعيين رئيس للوزراء
باريس – فاجأت نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية الأحد كل التوقعات بعد أن تصدّر تحالف اليسار المتمثل في الجبهة الشعبية النتائج دون تحقيق غالبية مطلقة في البرلمان التي تعتبر ضرورية في نظام شبه رئاسي وهو ما سيحتّم عليه كسب تحالفات مع أحزاب اليسار والوسط ذات الأغلبية وتقديم مرشح لمنصب رئيس الوزراء خلال أسبوع على الرغم من الانقسامات السياسية وتناقض مواقف القوى الحزبية.
وسيدخل البرلمان في شلل تشريعي في حال عدم حصول تحالفات تبدو مستبعدة بين اليسار واليمن وممكنة بين الوسط واليسار.
وفتحت نتيجة صناديق الاقتراع شهية اليسار الفرنسي الذي أكد استعداده لحكم البلاد وأن يبدأ مناقشات داخلية شاقة لتعيين رئيس للوزراء.
وقال اوليفييه فور رئيس الحزب الاشتراكي المنضوي في الجبهة الشعبية الجديدة التي تشكلت لخوض الدورة الثانية للانتخابات التشريعية في تصريح إذاعي الاثنين "ينبغي أن نتمكن خلال الأسبوع الراهن من تقديم مرشح لمنصب رئيس الوزراء."
وقالت زعيمة معسكر المدافعين عن البيئة الأعضاء في هذه الجبهة اليسارية مارين توندولييه في تصريح إذاعي أيضا إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "يجب أن يدعو اليوم اليسار إلى اقتراح اسم شخصية لتولي رئاسة الحكومة."
وطلب ماكرون الاثنين من رئيس الوزراء غابريال أتال الذي أعلن عن نيته تقديم استقالته، البقاء في منصبه "في الوقت الراهن لضمان استقرار البلاد" وفق ما أعلن القصر الرئاسي.
وكان أتال قال الأحد إنه مستعد للبقاء في منصبه طالما استدعى الواجب ذلك خصوصا أن باريس تستضيف قريبا دورة الألعاب الأولمبية.
ولم يتمكن أي من الأحزاب التي خاضت الانتخابات التشريعية تحقيق الغالبية المطلقة والبالغة 289 نائبا في الجعمية الوطنية، حيث حصلت الجبهة الشعبية الجديدة على 180 مقعدا في حين تحصل المعسكر الرئاسي على حوالي 160 واليمين المتطرف على 140 مقعدا.
وحقّق حزب فرنسا الأبية داخل الجبهة الشعبية الجديدة العدد الأكبر من النواب مع نحو 75. لكن ينبغي التخفيف من أهمية ذلك إذ أن الاشتراكيين والشيوعيين والمدافعين عن البيئة نالوا عددا أكبر من النواب.
ويضاف إلى ذلك متمردون قطعوا روابطهم مع قيادة فرنسا الأبية، بينما أكدت كل تشكيلات تحالف اليسار مساء الأحد أن برنامج الحكومة المقبلة يجب أن يستند إلى مشروع الجبهة.
وينص هذا البرنامج على إلغاء إصلاح النظام التقاعدي وقانون الهجرة وإصلاح مخصصات البطالة فضلا عن إجراءات حول القدرة الشرائية مثل تحديد الحد الأدنى للأجور الصافي بـ1600 يورو، وفق ما أكده الاشتراكيون.
ووعد رئيس حزب فرنسا الأبية جان لوك ميلانشون بأن زيادة الحد الأدنى للأجور سيتم بموجب مرسوم، مؤكدا "لن نقبل بأي ذريعة أو حيلة أو تسوية". كما رفض "الدخول في مفاوضات" مع حزب النهضة الرئاسي.
وإزاء الشائعات حول احتمال تشكيل ائتلاف بين المعسكر الرئاسي والقسم الأكثر اعتدالا من جبهة اليسار، علق مسؤول في فرنسا الأبية باستياء قائلا "يحاول الماكرونيون سلبنا الفوز وتشكيل ائتلاف"، مضيفا "يجب أن يتصل بنا رئيس الجمهورية".
ويعتبر الحزب اليساري الراديكالي أن على المجموعة التي نالت أكبر عدد من النواب أن تقترح اسما لرئاسة الوزراء، بينما يميل الآخرون إلى قرار مشترك لنواب تحالف اليسار إذ أن ميلانشون بات شخصية تثير الكثير من الانقسامات حتى داخل جزء من اليسار.
ورأى مانويل بومبار المنسق الوطني لفرنسا الأبية في تصريح تلفزيوني أن الخيار يمكن أن يحصل بالتوافق وليس بالضرورة عبر التصويت داخل الجبهة الشعبية الجديدة، قائلا "يجب أن نأخذ الأمور مرحلة بمرحلة. النقاش يجب أن يحصل اليوم أولا بين التشكيلات السياسية المختلفة في ائتلافنا. من ثم يحصل اقتراح وبطبيعة الحال أتمنى أن يكون هذا الاقتراح موضع اتفاق لدى كل النواب وليس بالضرورة عبر التصويت. يمكن أن يحصل توافق".
وشكك الباحث مارسيل فوكو من مركز البحوث السياسية في كلية سيانس بو في قدرة اليسار على الحكم قائلا "يبقى مجموعة سياسية أقلية ائتلاف أحزاب حل في المرتبة الأولى مع أقل من 200 مقعد".
وأكد الخبير السياسي حديث البعض عن تهدئة وإصلاح فرنسا مدمرة وإعطاء وجهة سياسية تصحيحية، مشيرا إلى أنها "كلها أمور لا تستند إلى أسس جيدة عندما يقولون إن هذا هو البرنامج من دون غيره. نحتاج إلى وقت للتوضيح الرؤية بشأن حكومة ائتلافية".
وتلقف الشيوعيون هذه الرسالة وهم أعضاء في الجبهة الشعبية الجديدة. وقال السناتور إيان بروسا الناطق باسم الحزب الشيوعي "سنضطر على صعيد عدد كبير من المسائل توسيع غالبيتنا لأنها لن تكون كافية". وأيّد المدافع عن البيئة يانيك جادو هذا التحليل بقوله "علينا بناء غالبيات حول مشروعنا".