انتخابات برلمانية تختبر شعبية المؤسسة الدينية في إيران

المشاركة في الانتخابات تكتسب أهمية كبرى إذ تقدّمها السلطات على أنها دليل لشرعيتها على الساحة الدولية في ظل التوترات الجيوسياسية.
واشنطن تشكك في نزاهة الانتخابات الايرانية
أصحاب الثقل من المعتدلين والمحافظين خارج السباق
الاصلاحيون يصفون الانتخابات بأنها غير حرة وغير عادلة

طهران - بدأ الإيرانيون صباح الجمعة في الإدلاء بأصواتهم لانتخاب برلمان جديد، فيما ينظر إليه على أنه اختبار لشعبية المؤسسة الدينية في وقت يتنامى فيه الإحباط بسبب المشاكل الاقتصادية والقيود المفروضة على الحريات السياسية والاجتماعية، فيما يتوقع أن تميل إيران أكثر إلى التشدد مع هيمنة المحافظين المتطرفين واتجاههم للحفاظ على مكاسبهم بعد استبعاد معظم المرشحين الكبار من التيار الإصلاحي.

وكان المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي وصف التصويت بأنه واجب ديني، أول من أدلى بصوته في إيران. وقال "أدلوا بأصواتكم في أسرع وقت ممكن... اليوم عيون أصدقاء إيران ومن يتمنون لها السوء على نتائج الانتخابات. أسعدوا الأصدقاء وخيبوا آمال الأعداء".

ودعا في تصريح مقتضب، الإيرانيين إلى "التصويت فور الإمكان"، بعدما دعا الأربعاء إلى مشاركة كثيفة في التصويت، محذرا من أنه "إذا كانت الانتخابات ضعيفة فلن يستفيد أحد وسيتضرر الجميع".

وسيكون التصويت أول مقياس رسمي للرأي العام بعد أن تحولت احتجاجات مناهضة للحكومة في 2022 و2023 إلى سلسلة من أكبر الاضطرابات السياسية منذ الثورة الإسلامية في 1979.

ويحتاج حكام إيران إلى إقبال كبير على التصويت لترسيخ شرعيتهم التي اهتزت بعد الاحتجاجات التي عمت البلاد، لكن مع بقاء أصحاب الثقل من المعتدلين والمحافظين خارج السباق ووصف الإصلاحيين له بأنه "انتخابات غير حرة وغير عادلة"، ستدور المنافسة بين المتشددين والمحافظين الذين يظهرون الولاء للمثل الثورية الإسلامية في إيران.

و فتح حوالى 59 ألف مركز اقتراع أبوابها صباح الجمعة في إيران أمام المشاركين في انتخابات مجلس الشورى التي يبقى الرهان الرئيسي فيها نسبة المشاركة في ظل توجه المحافظين إلى الاحتفاظ بمقاليد الحكم.
ودعي أكثر من 61 مليون إيراني للادلاء بأصواتهم لاختيار أعضاء مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة المسؤول عن تعيين المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية.
وأشار أحدث استطلاع للرأي نشره التلفزيون الحكومي إلى أنّ 41 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع سيشاركون في عملية التصويت "بلا شك".
وشهدت الانتخابات التشريعية عام 2020 أدنى نسبة مشاركة منذ إعلان الجمهورية الإسلامية عام 1979، إذ لم يدل سوى 42.57 بالمئة من الناخبين بأصواتهم خلال الاقتراع الذي جرى في بداية أزمة وباء كوفيد-19، بحسب أرقام رسمية.
وتكتسب مسألة المشاركة في الانتخابات في إيران أهمية كبرى، إذ تقدّمها السلطات على أنها دليل لشرعيتها على الساحة الدولية في ظل التوترات الجيوسياسية.
وقال خامنئي الأربعاء خلال استقباله في طهران جمعاً من الشبان الذين سيتاح لهم الاقتراع للمرة الأولى إن "أعداء إيران يترقبون من كثب حضور الشعب الإيراني" مضيفا "إذا رأى العدو ضعفاً في الإيرانيين... فإنه سيهدد الأمن القومي".
وتابع أن "أميركا وسياسات معظم الأوروبيين وسياسات الصهاينة الخبيثين والرأسماليين وأصحاب الشركات الكبرى في العالم الذين يتابعون قضايا إيران لدوافع وأسباب مختلفة... هي الأكثر خشيةً من حضور الناس في الانتخابات ومن القوة الشعبية لإيران".
من جانبه، اعتبر الحرس الثوري الإيراني أن "المشاركة القوية" من شأنها أن تمنع "التدخلات الأجنبية" المحتملة في سياق الحرب في غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية المدعومة من إيران. وشبه قائد الحرس الثوري حسين سلامي "كل ورقة اقتراع" بـ"صاروخ يُطلق في قلب أعدائنا"، بحسب ما نقلت عنه وكالة "تسنيم" الإيرانية.

كل ورقة اقتراع صاروخ يُطلق في قلب أعدائنا

وانتقدت واشنطن الخميس الانتخابات الإيرانية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر "ليس لدي أي توقع بأن تكون الانتخابات الإيرانية حرة ونزيهة، وأظن أن عددا كبيرا من الإيرانيين لا يتوقعون أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة".
وأضاف "لقد تم بالفعل استبعاد آلاف المرشحين في عملية غامضة، ويعرف العالم منذ فترة طويلة أن النظام السياسي الإيراني يتسم بأنظمة إدارية وقضائية وانتخابية غير ديموقراطية وغير شفافة".
ومن غير المتوقع أن تؤدي الانتخابات التي يشارك فيها عدد قياسي من المرشحين بلغ 15200 مرشح، إلى تغيير التوازنات داخل مجلس الشورى. وسيعزز الاقتراع هيمنة المحافظين الواسعة على المجلس الذي يشغلون فيه حاليا أكثر من 230 مقعدا من أصل 290.
وفي ظل عدم وجود منافسة فعلية مع الاصلاحيين والمعتدلين، تنحصر المواجهة بين المحافظين والمحافظين المتشددين. ويُتوقع أن تصدر النتائج الأحد أو الاثنين.
وتم تهميش المعسكر الإصلاحي والمعتدل منذ انتخابات 2020 ولا يأمل هذا المعسكر سوى بحصد بعض المقاعد بعدما استبعد مجلس صيانة الدستور عدداً كبيراً من مرشحيه.
ونددت جبهة الاصلاح، الائتلاف الرئيسي للأحزاب الإصلاحية، بـ"الانتخابات المجردة من أي معنى وغير المجدية في إدارة البلاد"، رافضة المشاركة فيها. ورأت صحيفة "إيران" الموالية للحكومة أن الإصلاحيين "فضلوا التخلي عن التصويت من خلال تقديم الأعذار" حتى لا يتعرضوا لانتكاسة في صناديق الاقتراع.
واعتبر زعيم التيار الاصلاحي الرئيس السابق محمد خاتمي (1997-2005) أن إيران "بعيدة جداً عن انتخابات حرة وتنافسية".
إلى ذلك سيعزز المحافظون أيضا سيطرتهم على مجلس خبراء القيادة، وهي هيئة مؤلفة من 88 عضواً من رجال الدين يُنتخبون لمدة ثماني سنوات بالاقتراع العام المباشر، تقوم باختيار المرشد الأعلى الجديد وتشرف على عمله وعلى إمكان إقالته.
ويتنافس في هذه الانتخابات 144 مرشّحاً جميعهم من الرجال، لكن تم استبعاد شخصيات بارزة منها رُفضت ترشيحاتها، وفي طليعتها الرئيس السابق المعتدل حسن روحاني (2013-2021) الذي أُبطل ترشيحه لمجلس الخبراء رغم أنه عضو فيه منذ 24 عاما.
وقال روحاني الأربعاء إن التصويت هو عمل يجب أن يقدم عليه "أولئك الذين يحتجون على الوضع الراهن" و"يريدون المزيد من الحرية".
وهذه الانتخابات هي الأولى منذ حركة الاحتجاج الواسعة التي هزت البلاد بعد وفاة الفتاة مهسا أميني في أيلول/سبتمبر 2022 بعد أيام على توقيفها من قبل شرطة الأخلاق لعدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.
وقُتل مئات من الأشخاص واعتُقل آلاف آخرون خلال الاحتجاجات التي توقفت في نهاية العام 2022. ويرى العديد من الإيرانيين أنّ الهم الرئيسي حالياً هو الاقتصاد، في ظل نسبة تضخم عالية جدا تقارب 50 بالمئة.
وقالت معصومة، وهي ربة منزل أربعينية، رداً على أسئلة في بازار طهران الكبير إن "الأسعار مرتفعة جداً وتستمر في الارتفاع". وأضافت "لا أعتقد أن النواب الذين سيتم انتخابهم سيتمكنون من تحسين الوضع".