باريس 2.. الابقاء على الوضع الراهن

مؤتمر باريس الثاني لن يختلف عن سابقه. هو مجرد حقن مهدئة للشعب الذي فقد كل امل في طبقة الأخوان السياسية الجاثمة على صدره.

منذ حوالي السنة، كان مؤتمر باريس الأول. جمع ماكرون قطبي الصراع في ليبيا وصدر عن الاجتماع بيان فضفاض اعتبره البعض هدنة الامر الواقع. فأي من الطرفين ليس له القدرة على الغاء الاخر. ويبدو ان السيد ماكرون شعر بتردي الاوضاع في البلد مع الصيحات المتكررة من قبل الاخوان المسلمين الذين يتلقون الضربات المميتة في شرق الوطن، فآخر معاقلهم (درنة) على وشك السقوط ويقطع دابرهم ويكون بذلك شرقنا الحبيب قد نفض عن نفسه غبار الشراذم التي لا تقيم وزنا للآخرين الذين يختلفون معهم سياسيا. ارتأى الزعيم الشاب تهدئة الامور فقرر الاجتماع بالأقطاب الاربعة (اثنان من كل جانب!) لإيهام الليبيين بان الاوضاع وخاصة المعيشية قد تأخذ في التحسن.

يدرك جميع الافرقاء بمن فيهم الداعمون لهم اقليميا، باستحالة التفاهم بينهم وان اي منهم غير مستعد للتنازل عما حققه من مكتسبات خلال الفترة الماضية، كما تدرك القوى المحلية بأنه ليس من مصلحتها التخلف عن الاجتماع لتخرج نفسها من دائرة الشك والقول بأنها تعرقل مسار الحل في البلاد.

لا بأس من الظهور على وسائل الاعلام المختلفة فهي فرصة قد لا تعوض وخاصة اولئك المغتصبون للسلطة بقوة السلاح بالمنطقة الغربية ونعني بهم مجلس الدولة المتكون من تيار سياسي وفكري واحد، الاخوان ومن يدور فلكهم بدلا من ان يجمع المجلس كافة شرائح المجتمع المحلي بمختلف توجهاتهم وفق انتخبات 2012، وكذا مجلس الوصاية وحكومته الرشيدة.

ثماني نقاط نجزم بان المجتمعين يعتبرونها نقاط خلافية. فالبنك المركزي لا يمكن توحيده، فهو يعد الداعم الاساس والمورد الوحيد لحكومة الوصاية ولأنها لا تتبع جهة رقابية عليا (لا يعترف بها مجلس النواب) فإنها اتبعت سياسة إهدار المال العام بالإنفاق على الجماعات المسلحة لكسب ودّها واتقاء شرها، اضافة الى مليارات الدولارات بشان توريد بعض السلع الضرورية للمواطن، بينما اثبتت الوقائع ان ما تم استيراده يمثل جزءا يسيرا فقد كانت غالبية الحاويات اما انها فارغة او محملة بمواد غير ذات جدوى، وما تقرير ديوان المحاسبة عنا ببعيد.

اما عن توحيد المؤسسة العسكرية فان العسكر بغرب البلاد وان قبل بعضهم الذهاب الى القاهرة لأجل تبادل الاراء من اجل توحيد المؤسسة، إلا انهم في حقيقة الامر هم قادة وأمراء حرب يرأسون تشكيلات مسلحة جهوية وفكرية يرتزقون من خلالها، ويشغلون آلاف العاطلين عن العمل من الشباب الذين انقطعوا عن الدراسة بسبب الرواتب المغرية وبالتالي فهم يعتبرون وقود المعارك التي اتت على الاخضر واليابس. وبخصوص العسكر في المنطقة الغربية الذين يدعون تبعيتهم للقيادة العامة للجيش بشرق الوطن، فإنهم رابضون بمواقعهم لا يحركون ساكنا تحسبهم ايقاظا وهم رقود. المؤكد انهم عقدوا هدنة مع ابناء عمومتهم (الطرف الاخر) فلا ضرر ولا ضرار.

بشان الانتخابات فانه والحالة هذه ومع سيطرة الميليشيات على زمام الامور في المنطقة الغربية والجنوبية فإنها لا يمكن بأي حال من الاحوال ان تكون شفافة ونزيهة. الاخوان يسعون بكل ما اوتوا خبثا ودهاء على ألا تقام انتخابات في القريب العاجل، لأنهم يدركون جيدا بأنهم اصبحوا منبوذين من قبل كافة شرائح المجتمع، وبالتالي البقاء في السلطة اطول مدة ممكنة لجمع اكبر قدر من اموال الشعب في ظل الفوضى الممنهجة. فالإخوان لا يؤمنون بالجيش القوي الذي ولاؤه للوطن، بل تكوين اجسام مسلحة تكون تحت امرتهم.

الذين تحدثوا عن عدم اقدام القادة على التوقيع، اقول انه مجرد بيان، والحاضرون (مدعوون ورعاة) متأكدون تمام التأكد باستحالة تحقيق بنوده وبالتالي لا داعي للتوقيع، فتكفي الايماءة بالرؤوس او رفع الايدي.

وبعد، مؤتمر باريس الثاني لن يختلف عن سابقه، بل هو مجرد حقن مهدئة للشعب الذي فقد كل امل في الطبقة السياسية (الاخوان المسلمون) الجاثمة على صدره، وليثبت لنا الغرب بأنه لن يتنازل بسهولة عن عملائه (الاخوان وحكومة الوصاية التي يسيرون عليها) وانه سيظل الداعم لهم ما استطاع الى ذك سبيلا. انه الابقاء على الوضع الراهن لسنة اخرى على الاقل، وليستمر هدر المال العام والطوابير المتعددة التي اصبحت ابرز معالم الحياة في البلاد.