برلين السينمائي يحتفي بالفن السابع الأفريقي بمنح 'داهومي' الدب الذهبي

وثائقي المخرجة الفرنسية - السنغالية ماتي ديوب الذي يتناول استعادة أعمال فنية نهبتها القوى الاستعمارية السابقة في أفريقيا يفوز بجائزة المهرجان الكبرى.

برلين - فاز الفيلم الوثائقي "داهومي" للمخرجة الفرنسية - السنغالية ماتي ديوب بجائزة الدب الذهبي للدورة الرابعة والسبعين من مهرجان برلين السينمائي (برليناله)، وهو عمل يتناول استعادة أعمال فنية نهبتها القوى الاستعمارية السابقة في أفريقيا.

حافظت لجنة التحكيم برئاسة الممثلة المكسيكية الكينية لوبيتا نيونغو، وهي أول شخص أسود يتولى هذه المسؤولية الهامة، من خلال مكافأة فيلم يتطرق بشكل مباشر إلى حقبة ما بعد الاستعمار، على نهج المهرجان المعروف باهتمامه بالقضايا السياسية.

ويشتهر المهرجان الألماني بطابع سياسي أقوى من ذلك الذي يرتديه مهرجانا كان والبندقية، وهما المهرجانان السينمائيان الأوروبيان الرئيسيان الآخران، اللذان يقامان في مايو/أيار وسبتمبر/أيلول على التوالي.

وقالت ماتي ديوب (41 عاما) لدى تسلمها جائزتها "في إمكاننا إما أن ننسى الماضي، ذلك العبء المزعج الذي يمنعنا من التطور، أو أن نتحمل مسؤوليته ونستخدمه للمضيّ قدما"، بعد اقتباسها مقولة للمفكر المارتينيكي إيميه سيزير.

وأضافت "بصفتي مخرجة سينمائية فرنسية سنغالية من أصل أفريقي، اخترت أن أكون واحدة من أولئك الذين يرفضون النسيان، والذين يرفضون فقدان الذاكرة كوسيلة".

ويروي فيلم "داهومي" استعادة بنين 26 عملا فنيا كانت نهبتها القوات الاستعمارية الفرنسية أواخر القرن التاسع عشر، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021. واندرجت هذه الخطوة في إطار حركة بدأت خلال السنوات الخمس الماضية من جانب القوى الغربية السابقة، بينها فرنسا وألمانيا وبلجيكا.

ماتي ديوب، التي وُلدت ونشأت في باريس لأب هو المؤلف الموسيقي السنغالي واسيس ديوب، وأمّ تعمل أيضا في مجال الفن، كانت قد فازت بالجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي عام 2019 عن فيلم "أتلانتيك"، وهو أرفع مكافأة بعد جائزة السعفة الذهبية.

وقالت المخرجة لوكالة فرانس برس إنها ترغب في أن يُشاهَد فيلمها "في أكبر عدد من البلدان الأفريقية" و"في المدارس والجامعات".

هذا ثاني فيلم أفريقي ينال جائزة الدب الذهبي (بعد الفيلم الجنوب أفريقي  "U-Carmen e-Khayelitsha" للمخرج مارك دورنفورد-ماي عام 2005).

وتخلف ماتي ديوب الفرنسي نيكولا فيليبر الحائز على الدب الذهبي العام الماضي.

كما تضيف ماتي ديوب اسمها إلى مجموعة من المخرجات الفرنسيات اللواتي فزن بجوائز سينمائية كبرى في السنوات الأخيرة: جوليا دوكورنو (السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 2021)، أودري ديوان (الأسد الذهبي في البندقية في العام نفسه)، أليس ديوب (جائزتان في البندقية عام 2022) وبالطبع جوستين ترييه، التي هيمنت الجمعة على جوائز سيزار بعد فوزها بالسعفة الذهبية العام الماضي في مهرجان كان، والتي ينافس فيلمها "أناتومي دون شوت" (تشريح سقوط) بقوة على جوائز الأوسكار.

لسرد قصة 26 عملاً نهبتها القوات الاستعمارية الفرنسية عام 1892 في مملكة داهومي، في الجزء الجنوبي الأوسط من بنين الحالية، والتي كانت تتكون آنذاك من ممالك عدة، أعطت ماتي ديوب التعليق الصوتي على أحداث العمل لتمثال مجسم للملك غيزو.

وبلغة بنين، الـ"فون"، يشكو الملك غيزو في العمل من أنه لم يعد يحمل اسما، بل فقط رقم "26"، في محفوظات متحف كيه برانلي في باريس.

ويصف الراوي في الوثائقي اقتلاعه من أرضه، وحياته في المنفى، ثم إعادته إلى موطنه أخيرا ليُعرض في أحد متاحف كوتونو، عاصمة بنين.

ولا يظهر في الفيلم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره البنيني باتريس تالون، وهما وراء عملية الإعادة التي أُنجزت في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وتشدد المخرجة على أن عملية الإعادة اقتصرت على هذه الأعمال الـ26 وحدها، "في مقابل سبعة آلاف عمل لا تزال محتجزة في متحف كيه برانلي" في باريس.

كما منحت لجنة تحكيم الدورة الرابعة والسبعين لمهرجان برلين السينمائي الممثل الروماني الأميركي سيباستيان ستان عن فيلم "إيه ديفرنت مان" جائزة أفضل أداء تمثيلي.

ومنحت أيضا جائزة لجنة التحكيم الكبرى لأحد رواد المهرجان، المخرج الكوري الجنوبي هونغ سانغ سو عن فيلم مع إيزابيل أوبير "إيه ترافيلرز نيدز"، وجائزة لجنة التحكيم لفيلم "لامبير" (L’Empire) للمخرج برونو دومون طُرح الأربعاء في دور السينما الفرنسية.

وقبل توزيع الجوائز، منح المهرجان السبت جائزة الدب الكريستالي في فئة جيل 14 عاما وما فوق (الأطفال والمراهقون) للفيلم البريطاني "لاست سويم" (Last Swim) الذي يدور حول لقاء بين شابة إنجليزية – إيرانية ولاعب كرة قدم.

وفي وقت سابق السبت، منحت منظمة العفو الدولية بفرعها الألماني جائزتها الخاصة بمهرجان برلين السينمائي لعمل درامي أردني يتناول قضية اللاجئين، بعنوان "ذي سترينجرز كايس" (The Stranger’s Case –"قضية الغريب")، واصفة إياه بأنه "فيلم مثير للإعجاب يتناول قصة ملحمية عن الهروب من سوريا".

وبحسب استطلاع آراء نقاد سينمائيين أجرته مجلة "سكرين" البريطانية قبل إعلان النتائج، فإن الأفلام التي كانت الأوفر حظا بينها الفيلم الإيراني "كعكتي المفضلة" (My Favourite Cake)، والدراما التاريخية النمسوية "حمام الشيطان" (The Devil’s Bath)، كما توقف النقاد عند الفيلم الوثائقي "داهومي" للمخرجة ماتي ديوب.

وافتُتح المهرجان، الذي استمر أحد عشر يوما، بالعرض العالمي الأول للفيلم الدرامي الأيرلندي "سمول ثينغز لايك ذيز" (Small Things Like These)، من بطولة كيليان مورفي، أحد المرشحين للفوز بجائزة الأوسكار هذا العام عن أدائه في فيلم "أوبنهايمر".

ويأتي فوز الفيلم الوثائقي "داهومي" للمخرجة الفرنسية - السنغالية ماتي ديوب، تتويجا لحضور الفن السابع الأفريقي في الدورة الرابعة والسبعين لمهرجان برلين السينمائي التي خصصت حيّزا كبيرا للسينما الأفريقية من خلال إسنادها رئاسة لجنة التحكيم إلى مكسيكية من أصل كيني، وإدراجها ضمن مسابقتها فيلما لمخرج موريتاني وآخر لفرنسي سنغالي.