بروفة حرب على حدود أوروبا الشرقية وسط توتر مع موسكو

الولايات المتحدة تسحب عائلات دبلوماسييها في كييف في قرار اعتبرته أوكرانيا سابقا لأوانه بينما قال الاتحاد الأوروبي إنه لا حاجة لـ"التهويل"، فيما تدرس بريطانيا اتخاذ قرار مماثل.
خلافات وانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي حول حزمة عقوبات على روسيا
التهديدات الأوروبية بفرض عقوبات على روسيا تشمل تخفيضات لواردات الغاز والنفط

بروكسل/واشنطن - أعلن حلف شمال الأطلسي (ناتو) في بيان الاثنين أن دوله تستعد لوضع قوات احتياطية في حالة تأهّب وأنها أرسلت سفنا ومقاتلات لتعزيز دفاعاتها في أوروبا الشرقية ضدّ الأنشطة العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا، بينما أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا أنهما ستسحبان عائلات دبلوماسييهما من كييف، في تطور اعتبرته بروكسل من قبيل "التهويل"، لكن مجمل التطورات المتسارعة توحي ببروفة حرب في ظل تفاقم التوتر بيت روسيا والغرب على خلفية مخاوف من غزو روسي لأوكرانيا في أية لحظة.

وقال الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ في بيان "سيواصل حلف شمال الأطلسي اتّخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية كلّ الأعضاء والدفاع عنهم، لا سيّما من خلال تقوية دول التحالف الشرقية. وسنردّ دائما على أي تدهور في بيئتنا الأمنية، بما في ذلك عبر تعزيز دفاعنا الجماعي".

وأشار الحلف إلى قرارات اتخذتها الدنمارك في الأيام الأخيرة بإرسال فرقاطة وطائرات حربية إلى دول البلطيق ودعم إسبانيا لانتشارها البحري وتحضير هولندا "لسفن ووحدات برية في حالة تأهب" لقوة الرد السريع.

وركّز البيان أيضا على عرض حديث من فرنسا لإرسال قوات إلى رومانيا، لافتا إلى أن "الولايات المتحدة أوضحت أيضا أنها تدرس زيادة وجودها العسكري".

ومع حشد عشرات الآلاف من القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، وصل التوتر بين موسكو والغرب إلى أعلى مستوياته منذ الحرب الباردة، وهناك مخاوف فعلية من اندلاع صراع واسع النطاق في أوروبا الشرقية.

وتنفي موسكو الاتهامات الموجّهة إليها، فيما يطالب أعضاء حلف الناتو بتعزيزات. وكتب وزير خارجية لاتفيا ادغار رينكيفيش على تويتر "لقد وصلنا إلى المرحلة التي يحتاج فيها التعزيز العسكري الروسي والبيلاروسي المستمر في أوروبا إلى المعالجة من خلال الإجراءات المضادة المناسبة لحلف شمال الأطلسي"، مضيفا "حان وقت زيادة وجود قوات الحلفاء في الجناح الشرقي للتحالف كإجراءات دفاع وردع".

ويُعدّ الحلف مقترحا إجراء المزيد من المحادثات مع روسيا بعد أن أصدر الكرملين مجموعة من المطالب التي من شأنها أن توقف محاولات ضم الناتو لأوكراينا.

يصرّ الحلف الأطلسي من جهته على أنه لن يتفاوض بشأن "مبادئه الأساسية" بما فيها الدفاع عن جميع دوله والسماح للحلفاء باختيار طريقهم الخاص.

وعزز التحالف قواته في دول البلطيق بعد ضمّ روسيا عام 2014 لشبه جزيرة القرم ويدرس حاليا خططا لنشر المزيد من القوات في رومانيا وبلغاريا.

روسيا تطالب بالتزامات خطّية بعدم ضمّ أوكرانيا وجورجيا لحلف الناتو وبسحب قوات وأسلحة الحلف من دول أوروبا الشرقية التي انضمت إليه بعد عام 1997

وفي خضم هذه التطورات، ينتظر الاتحاد الأوروبي الاثنين تفسيرا من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يُفيد بفحوى محادثاته مع نظيره الروسي سيرغي لافروف بشأن احتمال غزو روسي لأوكرانيا، فيما اعتبر الاتحاد أن لا حاجة لواشنطن "للتهويل" وسحب عائلات دبلوماسييها من كييف التي انتقدت القرار الأميركي.

وأعلنت الخارجية البريطانية في وقت لاحق الاثنين أنها ستسحب هي أيضا بعض موظفيها وعائلاتهم من سفارتها في أوكرانيا ردا على "التهديد الروسي المتصاعد".

وسيُناقش وزير الخارجية الأميركي الاثنين في مداخلة له عبر الفيديو مع نظرائه في دول الاتحاد الأوروبي المجتمعين في بروكسل "المحادثات الصريحة" التي عقدها الجمعة مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.

وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الاثنين لدى وصوله إلى اللقاء المرتقب في بروكسل "لا أرى سببا للتهويل طالما أن المحادثات جارية، إلّا إذا زوّدتنا الولايات المتحدة بمعلومات تُبرّر قرار" مغادرة أوكرانيا.

وتابع "لم نتّخذ أي قرار للطلب من عائلات دبلوماسيينا مغادرة أوكرانيا إلّا إذا زوّدنا بلينكن بمعلومات تبرّر مثل هذه الخطوة".

واعتبرت السلطات الأوكرانية أن قرار واشنطن إجلاء عائلات دبلوماسييها في كييف "سابق لأوانه"، فيما قال وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسلبورن "لا يجب أن نضع أنفسنا في منطق الحرب. يجب تجنّب الحرب".

ووافق بلينكن على تقديم "أفكار" خطّية إلى موسكو من غير أن يوضح إن كانت هذه النقاط ستشكّل ردا بندا ببند على المطالب الروسيّة المفصّلة.

وتطالب روسيا بالتزامات خطّية بعدم ضمّ أوكرانيا وجورجيا لحلف شمال الأطلسي، وبسحب قوات وأسلحة الحلف من دول أوروبا الشرقية التي انضمت إليه بعد عام 1997 ولا سيما من رومانيا وبلغاريا. ومطالب موسكو لا يقبل بها الغربيون.

ويُعدّ الوضع الأمني الحالي في كييف مقلقا فرغم تأكيد موسكو أنها لا تعتزم التدخل العسكري، فإنها تدعم انفصاليين موالين لها وحشدت أكثر من مئة ألف جندي وقوات مدفعية على الحدود مع أوكرانيا.

من العقوبات المطروحة لكبح الروس خفض مشتريات الغاز بنسبة 43 بالمئة ومشتريات النفط بنسبة 20 بالمئة من إمدادات الاتحاد الأوروبي التي تمول إلى حد كبير الميزانية الروسية

والخميس الماضي قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين في مداخلة خلال المنتدى الاقتصادي العالمي الافتراضي في دافوس "نأمل ألا يقع هجوم ولكن إذا حدث ذلك، فنحن مستعدون للردّ من خلال عقوبات اقتصادية ومالية كبيرة".

وسيعيد وزراء دول الاتحاد الأوروبي تأكيد هذا الموقف الاثنين، بحسب مسودة تضمنت تفاصيل الردّ العقابي. وقال الوزير الدنماركي جيبي كوفود "إذا اجتاحت روسيا أوكرانيا مرّة جديدة، سنعتمد عقوبات غير مسبوقة وستُعزل روسيا بالكامل".

وحضّرت المفوضية الأوروبية عدة احتمالات ستقدّمها للوزراء المجتمعين الاثنين وستُضاف إلى الإجراءات التي اعتُمدت بعد الردّ على ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم في العام 2014.

وقال مصدر أوروبي، إن من الأمور المطروحة خفض مشتريات الغاز بنسبة 43 بالمئة ومشتريات النفط بنسبة 20 بالمئة من إمدادات الاتحاد الأوروبي والتي تمول إلى حد كبير الميزانية الروسية.

وأوضح بوريل أن "العملية جارية للتأكد من أن كل شيء سيكون جاهزا في حال الحاجة".

وسيتعيّن تبني العقوبات الأوروبية بالإجماع، غير أن تلك التي تتعلق بخفض مشتريات الطاقة تحدث انقساما داخل الاتحاد الأوروبي خاصة بين غرب وشرق أوروبا. ومن المقرر أن يسافر رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان إلى موسكو في فبراير/شباط لبحث إمدادات الغاز لبلاده.

وأكّد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أمام البرلمان الأوروبي الأربعاء الماضي في ستراسبورغ أن "مصداقية ردّنا على موسكو تفترض تجنّب نقاط الضعف في مواجهة استخدام تدفقات الهجرة أو الطاقة مع اللعب على سعر الغاز أو الإمدادات".

وطلبت ألمانيا سحب اقتراح يهدف إلى عزل موسكو عن نظام الدفع العالمي 'سويفت' وهو الأداة الأساسية في التمويل العالمي التي تسمح للمصارف بتداول الأموال، وفقا لمصدر دبلوماسي أوروبي، في وقت ترفض فيه برلين تسليم أسلحة إلى كييف.

ودعا المستشار الألماني أولاف شولتس الأحد إلى التعامل "بحكمة" مع احتمال فرض عقوبات على روسيا ومن "عواقب" هذا الأمر على ألمانيا.

من جانبها أعلنت المفوضية الأوروبية الاثنين أنها تعد حزمة مساعدات طارئة لأوكرانيا تبلغ قيمتها 1.2 مليار يورو. وقالت فون دير لايين في كلمة قصيرة في بروكسل إنها "حزمة مساعدات طارئة" جديدة لا يزال يتعين أن يصادق عليها البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء.