بيت الشعر بالخرطوم ينقب في الحركة الشعرية بجنوب السودان
بفضل حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، واستمراراً لحراك وفعاليات بيوت الشعر في الوطن العربي.. هذه المرة وكغير عادتها الخرطوم حلقت بعيداً عن محيطها الداخلي، لتستذكر حنين التآخي والتلاحم وصلات الوحدة والوطنية الجامعة، فطرقت بمحبة باب الشعر في جنوبها السابق، حيث كان التناول للحركة الشعرية في دولة جنوب السودان، واستدعت العاصمة الخرطوم عبر مخيلة الحاضرين ذاكرة الحنين، وقلبت صفحات هذا الكتاب المثقل بالكثير، فالندوة التي نظمها بيت الشعر الخرطوم، مساء السبت 21 ديسمبر/كانون الأول، بقاعة نادي خريجي جامعة الخرطوم، حملت عنوانا تأسيسيا انفتح على سماوات متعاقبة، وصفت بالمتفردة لأنها الأولى من نوعها في المشهد الثقافي السوداني القريب، والتى أفردت منصتها هنا للحركة الشعرية هناك في جنوب السودان.
بلا حواجز
افترع الحديث الدكتور آدم يوسف، والذي جاءت ورقته بعنوان: جنوب السودان يتنفس شعرا ٢٠٠٩ - ٢٠١٩، بتقديم سرد عن الشعر في أفريقيا بشكل عام، ثم عرج نحو الحركة الشعرية في الوطن العربي، والسودان، وجنوب السودان، وتطرق لسؤال ظل محورا أساسيا للنقاش فيما بعد "لمن يكتب الشاعر في جنوب السودان.. لإنسان الجنوب الذي يتحدث عربي جوبا أم للجنوبيين الذين يتحدثون أكثر من لغة؟!" سؤال طرح جدلا كبيرا، ووضع الإشارة نحو أن الأرض الثقافية لم تزل غير واضحة المعالم هناك، والشاعر في الجنوب يكتب متعافيا من حاجز اللغة، بل تأتي قصائده طيعة جدا، ووصف أرضية الشعر بالجنوب بالحداثوية، فهم لا يكتبون القصيدة المقفاة إنما تنحصر كتاباتهم في التفعيلة والحداثة.
كنوز أبنوسية
أشار د. آدم إلى أن من أوائل الشعراء قرن توماس والذي جعل من الوطن موضوعه الأول وشعره مكتنز بالتعاويذ والأساطير والطقوس والطبيعة، ثم وقف على نماذج مثل: الفاتح أتيم، دينق نيال، أتيم سايمون، نيالاو حسن، ودينقيت آيوك، ثم تعمق حول السودان الشمالي، متناولاً ألم جرح الانفصال بين الجانبين ولم يزل شعراء الجنوب يكتبون عن السودان الكبير، واللون يعتبر قضيتهم الثانية بعد القضية الوطنية، شارحا التقارب بين السنغال والجنوب وقدسية اللون الأسود عندهم، ويمضي في حديثه بأن شعراء الجنوب تشربوا من البيئة السودانية والأفريقية وأن صراخا دائما لشاعر الجنوب هو صراخ المقاومة ضد السياسة وما تفعله من مرارات دائمة، وعرض الكنوز الأبنوسية التي لم تكتشف بعد، واختتم بطرح هل من تأثير لشعراء الشمال أسلوبيا على شعراء الجنوب.
من السرد للشعر
أما الكاتبة استيلا قاتيانو ابنة الجنوب المتميزة الروائية والقاصة فقد خرجت من جلباب السرد إلى عباءة الشعر لتحمل أعباء الإضاءات البحثية حول الحركة الشعرية ببلادها، ومعاناة الأدب الشفاهي وأثره على شح التوثيق وتناولت ثلاثة نماذج شعرية لـ السر أناي، ونيالاو حسن، وبوي جون، ودارت حول محاور رئيسية تمثلت في سؤال اللغة والتوثيق وتوظيفه، وأثر الحديث باللغات الإنجليزية والفرنسية كلغات ثانية، ومع ذلك منهم من تميز بالكتابة بالعربية، ووصفت ذلك بكونه ليس غريبا على إنسان الجنوب، فالشعر عمل يومي بالنسبة للجنوبي، خاصة في اتجاهه الشعبي، ولفتت استيلا إلى ان الشعر لا يلقى في الجنوب، إنما يأتي ممهورا باللحن مباشرة وفق المواقف والأحداث الآنية.
الندوة شهدت حضورا جميلا من المثقفين الجنوبيين ورواد بيت الشعر والإعلاميين، ومداخلات من الجمهور أثرت النقاش ورسمت ملامح قادمة لأمسيات أبنوسية تفتح شرفات التبادل بين البلدين
رفض غرائبية الشعر
وذهبت ورقة استيلا إلى أن الغناء للزرع والموت والحصاد من سمات التناول الراسخ، ويوثقون حتى لمن سرق، ويخلدون السلوكيات الشائنة لتظل علامة بارزة لإعلاء القيمية، وجنحت إلى رفض الحديث عن غرائبية الشعر بالجنوب، واعتبرت التباين في تقديم اللغة العربية على الأفريقية نوعا من سوء إدارة التنوع الثقافي، وخلق حساسيات في المشهد الجنوبي.
تحولات وأنا وليدة
أوردت في تناولها ذكر السر أناي وغضبته الشهيرة التي رد فيها على الشاعر صلاح أحمد إبراهيم، راسمة بوضوح صراع الأنا والآخر وانتماءات الإنسانية وتجاوزات الهنات السياسية لأجل الحرية وتخفيف الانتهاكات، وثنائية الشمال والجنوب عند السر أناي وأشياء أخرى، ثم تناولت نيالاو حسن في ديوانها قرابين نيكانق وتجاوزها عقدة الاختلاف، والمتتبع للشعر الجنوبي يجد الحرب تطغى على الموضوعات والألم المسكوب والدماء المهدرة وتحولات الشعر ما بعد الانفصال للانتقال من الثنائية إلى الأنا الجنوبية.
أما وقفتها في أتيم سايموند في ديوانه وخز الوطن في تراتيله لديسمبر الحزين، تقول استيلا إن الملاحظ النضج والخطاب الجمالي والتأمل وإجادة اللغة والحرب التي تربك الشعراء جدا ثم مرت على عدد من النماذج لعدد من الشعراء.
التفاتة وتصحيح
أفرد الدكتور شول دينق الباحث في الأدب والتراث مجالا للحديث التاريخي، وقال لم يكن هناك من يفكر في الجانب الإبداعي للجنوب، وإنما في الحروب والصراعات فقط، وامتدح جهود بيت الشعر شاكرا ومركزاً على التفاتة بيت الشعر لإفراد المساحة أولا ولتصحيح الصورة الذهنية المرتبطة بالجنوب ثانيا، ويعتقد أن هذه الندوة خروج للفضاء الأفريقي الواسع، والذي عززته من قبل استضافة جوب شاعر السنغال، وهذا يقوي موقف الشعراء الذين يكتبون بالعربية ولكنها تشير للإبداع الجنوبي بكل اللغات.
جنوب الكتابة.. كتابة الجنوب
طرح د. شول سؤالا تلخص في: متى دخلت اللغة العربية لجنوب السودان وانتشارها مع التعليم والتعليم الديني ومنها انطلقت اللغة من اليومي إلى لغة العلم والمعرفة، وذكر الأجيال المتعاقبة من الجيل الأول وحتى السادس وتركيزهم على العبور لعالم السلام الذي تعززه لغة الثقافة والشعر وحث الشعراء على الخروج لفضاءات النشر العالمية والإنتاج الفكري الفني وأشار لجنوب الكتابة وكتابة الجنوب، مستعرضا بعض الكتب النقدية التي تمركزت حول الصراع وبكائيات الوحدة والانفصال وزحف اللغة، وركز كذلك على شواعر الجنوب اللواتي لم يجدن حظهن من الظهور بعد.
حضور وملامح قادمة
شهدت الندوة حضورا جميلا من المثقفين الجنوبيين ورواد بيت الشعر والإعلاميين، ومداخلات من الجمهور أثرت النقاش ورسمت ملامح قادمة لأمسيات أبنوسية تفتح شرفات التبادل بين البلدين، رافعين تحية تقدير للشارقة وما تقوم به من أدوار عظيمة لأجل الثقافة، وأدار الندوة باقتدار الإعلامي أحمد عوض متخذاً من الترحاب سرداً لطيفاً لسير المشاركين في الندوة ومجالاتهم، واستثمر التنوع الآيدولوجي والثقافي في موضوع الندوة بحضور عدد من المهتمين والباحثين تقدمهم مدير بيت الشعر د. الصديق عمر الصديق.
الندوة شهدت حضورا جميلا من المثقفين الجنوبيين ورواد بيت الشعر والإعلاميين، ومداخلات من الجمهور أثرت النقاش ورسمت ملامح قادمة لأمسيات أبنوسية تفتح شرفات التبادل بين البلدين