تجدد القتال في أم درمان يعكس تعقيدات الحسم العسكري
الخرطوم - في مشهد يؤكد أن الحسم العسكري في السودان لا يزال بعيد المنال، تصاعدت حدة الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة أم درمان، إحدى مدن منطقة الخرطوم الكبرى. ووسط دوي الانفجارات وتصاعد أعمدة الدخان، تبدو معاناة المدنيين بلا نهاية، بينما يواصل الطرفان القتال في نزاع دموي دخل عامه الثاني دون مؤشرات قريبة على الحل.
وأعلن الجيش السوداني، في بيان رسمي أصدره المتحدث باسم القوات المسلحة العميد نبيل عبدالله، أن "العمليات العسكرية الواسعة" لا تزال مستمرة في أم درمان، لا سيما في مناطق جنوب وغرب المدينة، بهدف "تطهير ولاية الخرطوم من بقايا التمرد"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.
وكان الجيش قد أعلن، في مارس/اذار الماضي، سيطرته الكاملة على العاصمة الخرطوم، بما في ذلك القصر الجمهوري ومواقع استراتيجية، غير أن الواقع الميداني أثبت خلاف ذلك، حيث لا تزال قوات الدعم السريع تحتفظ بوجود فاعل في مناطق واسعة من جنوب وغرب أم درمان، وتنفذ هجمات مضادة تستنزف قوات الجيش بشكل متكرر.
ورغم خسارة الدعم السريع لعدة مواقع رئيسية في الخرطوم خلال الأشهر الماضية، إلا أن هذه القوات أثبتت قدرة لافتة على امتصاص الصدمات وإعادة تنظيم صفوفها، بل والانتقال إلى أساليب هجومية جديدة أكثر مرونة وفعالية. ويقول محللون عسكريون إن الدعم السريع بات يعتمد بشكل متزايد على الطائرات المسيّرة (المسيرات)، التي استخدمها بشكل مكثف مؤخراً في ضرب مواقع استراتيجية للجيش، بما في ذلك هجمات على القصر الجمهوري في الخرطوم، ومقار عسكرية في بورتسودان، المدينة الساحلية التي تتخذها الحكومة مركزاً بديلاً لإدارتها.
وتأتي هذه الهجمات وسط تقارير استخباراتية تتحدث عن جهود حثيثة تبذلها الحكومة السودانية لمنع وصول تكنولوجيا الطائرات المسيّرة إلى قوات الدعم السريع. وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن الخرطوم تقدمت بطلبات رسمية إلى دول مثل الصين، تطالبها بوقف تصدير تقنيات المسيرات التي يمكن أن تستخدم في النزاع. إلا أن مراقبين يشيرون إلى صعوبة منع مثل هذه التقنيات بالكامل، نظراً لتعدد مصادرها وسهولة تهريبها في منطقة مضطربة كالقرن الإفريقي.
وفي المقابل، لا تزال قيادة الجيش، ممثلة في الفريق أول عبدالفتاح البرهان، تؤكد على أن الخيار العسكري هو السبيل الوحيد لإنهاء التمرد واستعادة الدولة. إلا أن الواقع الميداني والتعقيد المتزايد في جبهات القتال يعكسان واقعاً مختلفاً. فقد فشل الطرفان في تحقيق نصر حاسم رغم مرور أكثر من عام على اندلاع النزاع، فيما يتفاقم الوضع الإنساني والاقتصادي في البلاد بشكل غير مسبوق.
وتسببت الحرب، التي اندلعت في منتصف أبريل/نيسان 2023 بين البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين والمقاتلين، وتشريد نحو 13 مليون شخص داخل السودان وخارجه، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، التي وصفت الأزمة بأنها "الأسوأ في التاريخ الإنساني الحديث".
وبات واضحاً أن استمرار القتال يهدد ليس فقط وحدة السودان، بل أيضاً أمن واستقرار المنطقة بأسرها. وفي ظل هذا المشهد المعقد، تتعالى الأصوات مجدداً داخل وخارج السودان للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، والدخول في مفاوضات جادة تضع حداً للحرب وتفتح الباب أمام حل سياسي شامل.
ويعتقد أن ما يجري في أم درمان وبورتسودان وأماكن أخرى من البلاد يعكس تآكل قدرة أي طرف على فرض واقع سياسي أو عسكري منفرد.
ومع دخول الأزمة السودانية مرحلة أكثر تعقيداً، يزداد الضغط على المجتمع الدولي، خصوصاً الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، للعب دور أكثر فاعلية في الدفع نحو حل سياسي يضمن وحدة البلاد وينهي معاناة المدنيين. وبينما تتصاعد وتيرة المعارك في أم درمان وغيرها، يبدو أن الطريق إلى السلام لا يزال طويلاً، لكنه يبقى الخيار الوحيد القادر على إخراج السودان من نفق الحرب الطويل.