تجليات الروح ومرياها ولُقيا الحب في بيت الشعر بالشارقة
نظم "بيت الشعر بالشارقة" مساء الثلاثاء بتاريخ 24 حزيران/يونيو 2025 أمسية شعرية احتفت بالجمال والبلاغة، وذلك في إطار فعاليات "منتدى الثلاثاء" الذي يفتح في كل موعد أفقا للاطلاع على تجارب شعرية مختلفة، وقد شارك فيها الشعراء: داوود التجاني من موريتانيا، ألمامي نيماغا من غامبيا، وعبدالرزاق الربيعي من سلطنة عمان، بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير البيت، وعدد كبير من النقاد والشعراء ومحبي الشعر، الذين احتشدوا بشكل لافت في المسرح وتفاعلوا مع القصائد.
وأدار مفردات الأمسية أحمد محمد الدماطي، الذي رحب بالحاضرين، ورفع أسمى آيات الشكر لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة على كل جهوده في إرساء قواعد الثقافة العربية ودعم المشهد الشعري.
وفقال: "بكُلّ الحُبِّ الذي تفيضُ به القُلوبُ العاشِقَة، وباسم الدَّراريّ التي تُضوِّئُ سماءِ الشارقةِ، الشارقة التي تحتفي بالكلمة الشاعرة، وتمنحُ القصيدة دفئًا ونغمًا.. نلتقي بكم هذا المساء في بيت الشعر بالشارقة، هذا البيتُ الذي غدا للقصيدة وطنًا، وللأرواح مرفأ إلى فضاءاتِ الجمال، ولعشّاقِ الكلمة مصباحًا يضيء دَرْب الإبداع بفضل الرؤية المستنيرةِ والرعاية الكريمة للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسميّ، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة وحكيمها، راعي الثقافة والأدب، الذي جعَلَ من الشارقةِ منارةً تَشعّ بالعلم والفنون."
القراءة الأولى استهلها الشاعر داوود التجاني، الذي قرأ نصوصا ذات طابع ذاتي، تناغمت فيه الصور الراقية والمشاعر الرقيقة، ففي نصه "أوسكار" يقول:
"إنْ خالجتهُ الليالي فهْوَ فيك نُسي
مُدّي إلى الأسمر المرآةَ وانعكسِي
إذ أنت كشفٌ بكُنهِ الغيب منهمرٌ
في صورة الضوء إذ تفترُ عن قبسِ
و موغلٌ صوتكُ المجنونُ فيَّ صدى
لا صوتَ إلاّهُ يا تأويل مُلتَبسِي".
في قصيدة أخرى له "البتول"، اختار أن يسافر في تجليات الروح وأسئلتها، التي تتدلى بين اليأس والأمل، ومما جاء فيها:
"مماثلٌ للحيارى أينما انبجست
روحي أطل ومجبول على التيهِ
محمّلٌ بالجهات الست.. مرتعشا
أخطو على الرمل غيما كيف أؤذيهِ؟
ويابسٌ كسماء الصيف يبعدني
عن المواويل زريابٌ فأدنيهِ
يا ذات شدي على الأوتار أجنحتي
وبعثري القلب جمراً وارتمي فيهِ".
القراءة التالية كانت للشاعر ألمامي نيماغا من غامبيا وهو طالب في الجامعة القاسمية، قرأ نصوصا سافرت بالحاضرين في رحلة جمالية إلى إفريقيا وثقافتها الغنية، ففي قصيدته " لَوْحَةٌ يَرْسُمُهَا قَلَمُ الْهُيَامِ" يرسم بلغة متمكنة ألوان علاقة الشاعر بالكتابة والحياة ، والتي يقول في مطلعها:
"قَلَمٌ إِلَى أَرْضِ الْمَجَازِ مُسَافِرُ
يَجْتَازُ بِيدَ الْحَرْفِ وَهْوَ يُغَامِرُ
مَــــــــــا بَالُهُ مُتَقَمِّصًا رُوحِي زُهًا؟
وَعَلَى نَوَامِيسِ الْهَوَى هُوَ سَائِرُ؟
وَمُعَانِقًا عَرْفَ الزُّهُورِ وَفَغْوَةً
تَــــــــــأْتِي بِهَا رِيــــــــــحُ الصَّبَا وَتُحَاصِرُ
يَا رَاسِمًا لَوْحَ الْهُيَامِ وَصَانِعًا
أَنْغَـــــــــــــــــامَهُ، لِلْحُـــــــبِّ أَنْتَ الشَّاعِرُ".
قصيدته الثانية جاءت في نفس السياق، وحملت عنوان "الصوت الغائب"، وأكد فيها أهمية الشعر وتعلقه الروحي به، فيقول:
"هَلْ فِي الْحَنَاجِرِ حَرْفٌ غَابَ مَا جَهَرَا
بِهِ فَمٌ فِي خَوَالِي الدَّهْرِ وَاسْتَتَرَا
يَا صَاحِبَ الْقَلَمِ السِّحْرِيِّ هَلْ لَكَ أَنْ
تُخَطَّ بِالرِّيشِ كَيْ تَأْتِي بِهِ وَنَرَى؟
مُدَّثِّرًا صِرْتُ مِنْ خَوْفِي وَيَهْتِفُ بِي
أَنْ قُمْ فَأَنْذِرْ -ضَمِيرِي-لَا تَكُنْ ذَعِرا".
واختتم الأمسية الشاعر عبدالرزاق الربيعي من سلطنة عمان، الذي قرأ نصا بعنوان "لقيا"، تناول فيه موضوع الحب وما يحدثه من تغييرات إيجابية في حياة الإنسان، ومما جاء فيها:
"لقيتكِ بعد أن برح الأنيسُ
وفارقني المسامرُ والجليسُ
تشابهت الفصولُ على رياحي
كأني في صحارى التيه عيسُ
حرقتُ سفائني وكسرت كأسي
وأمسى دونما ليلاه قيسُ
أسابيعٌ تمرُّ ولستُ أدري
أراحَ السبتُ ؟ أم جاء الخميسُ".
وألقى نصا آخر، حمل عنوان "وداع "، استعرض فيه عذابات فراق الأحبة وانكسار القلوب، فقال:
"وداعا" قلتها ومضى قطاري
على سكك تسير بلا مسارِ
ومن شبّاكه ألقيت قلبي
مخافة أن يماطل في قراري
وودّعت النجوم وسهد ليلي
وداعَ العائدينَ إلى الديارِ
فلا مرآك، حال ولا المرايا
ولا الصوت الذي ملأ انتظاري".