بغداد تلجأ للأمانات الضريبية لتسديد رواتب موظفي القطاع العام

قرار الحكومة العراقية باستخدام جزء من أموال "الأمانات الضريبية" لتغطية رواتب موظفي القطاع العام أثار انتقادات واسعة.

بغداد – أفادت مصادر عراقية بأن البلاد تعاني من نقص السيولة المالية وتأخر وصول الحوالات المالية من البنك الفيدرالي الأميركي، التي تسببت باستخدام المصارف العراقية "أموال الأمانات الضريبية" لتأمين رواتب موظفي الدولة، وهي الخطوة التي أثارت جدلا واسعا وتحذيرا من أزمة مالية قد تعيق تسديد رواتب الموظفين.

وتسبب نقص السيولة المالية وتأخر وصول الدولار من البنك الفيدرالي الأميركي، في لجوء وزارة المالية إلى استخدام أموال الأمانات الضريبية في تأمين رواتب الموظفين وتغطية النفقات الأساسية.

وكان مجلس الوزراء، قد قرر في 15 أبريل/نيسان الماضي، تخويل وزيرة المالية صلاحية سحب مبلغ الأمانات الضريبية التي لم يمضِ عليها خمس سنوات، لتأمين تمويل رواتب موظفي الدولة لشهر أبربل/ نيسان والأشهر اللاحقة.

واعتبر ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي أن الوضع المالي في العراق في الوقت الراهن "خطير جداً"، محذراً من أن رواتب العاملين في القطاع العام باتت مهددة بسبب هذا الوضع.

وقال النائب عن الائتلاف ثائر مخيف، في تصريح لوكالة شفق نيوز المحلية أن "هناك أزمة مالية حقيقية تمر فيها حكومة محمد شياع السوداني في الوقت الحاضر"، مبينا أن "هذه الأزمة تهدد بشكل حقيقي رواتب الموظفين، وكذلك تمويل بعض المشاريع المهمة التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر".

ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي يقول أن الوضع المالي في العراق في الوقت الراهن "خطير جداً".

وأضاف أن "هذه الأزمة دفعت الحكومة نحو سحب بعض مبالغ الأمانات الضريبية، وهذه إجراءات حكومية اعتيادية تهدف لدفع الرواتب، فإن تأخير تلك الرواتب وعدم توفيرها قد يسبب كوارث كبيرة وخطيرة منها انفجار الشارع، ولهذا الحكومة لجأت لهذا الخيار".

وتابع إنه "لا توجد خشية من تكرار عملية سرقة القرن عبر سحب الأموال من الأمانات الضريبية"، لافتا إلى أن "عملية السحب هي حكومية وتتم عبر الأطر القانونية، ومن المؤكد فإننا في مجلس النواب نتابع ونراقب ذلك من خلال الجهات المتخصصة التنفيذية والرقابية".

وأثار قرار الحكومة العراقية باستخدام جزء من أموال "الأمانات الضريبية" لتغطية رواتب موظفي القطاع العام جدلاً واسعاً خلال الأيام الماضية، بين من اعتبره إجراءً قانونيًا مؤقتًا فرضته ضرورات السيولة، ومن اعتبره مخالفة صريحة للقوانين المالية التي تحكم التعامل مع هذه الأموال.

وتصاعد الجدل بعد الكشف عن منح وزيرة المالية، صلاحية سحب أكثر من 3 تريليونات دينار من الأمانات الضريبية، لتغطية رواتب شهر ابريل/نيسان والأشهر القادمة.

وواجهت هذه الخطوة انتقادات حادة من مختصين قانونيين، أشاروا إلى أن الأمانات الضريبية لا تُعد من الإيرادات العامة للدولة إلا بعد مرور خمس سنوات من تاريخ إيداعها دون المطالبة بها، وبالتالي فإن سحبها قبل هذا الموعد يُعد "تصرفًا مخالفًا للقانون".

في المقابل، سعى البنك المركزي العراقي إلى تهدئة المخاوف، وأكد في بيان أن الوضع المالي للعراق "مستقر"، مشيرًا إلى أن احتياطي مصرف الرافدين يتجاوز 8.5 تريليونات دينار، منها أكثر من 4.2 تريليونات دينار احتياطي غير مستخدم، وهو ما اعتُبر مؤشرًا على استقرار الوضع المالي، رغم الضجة المثارة.

من جهتها، كشفت اللجنة المالية النيابية عن تفاصيل قرار الحكومة، موضحة أن العراق لا يعاني من نقص فعلي في السيولة، لكن التأخير في تحويل عائدات بيع النفط من الدولار إلى الدينار العراقي لدى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي هو ما سبب "ضائقة وقتية".

وقال عضو اللجنة النائب معين الكاظمي إن "الإجراء الذي اتخذته الحكومة طبيعي ومؤقت، وستخضع الأموال إلى الإرجاع عند وصول الحوالات المالية من الخارج"، مؤكداً أن "لا حاجة لتهويل الموضوع، خاصة في ظل استقرار الإيرادات والاحتياطات المالية".

وأفاد مصدر في مجلس الوزراء العراقي نهاية الشهر الماضي، بأن الحكومة تدرس إلغاء الموازنة المالية للعام 2025، بسبب انخفاض أسعار النفط التي رفعت العجز المالي في البلاد.

وقال المصدر إن "مجلس الوزراء لم يناقش في جلساته السابقة موضوع جداول الموازنة بشكل رسمي، وان وزيرة المالية طيف سامي ابلغت مجلس الوزراء أن هناك نسبة عجز كبيرة في جداول الموازنة".

وأضاف أنه "حسب الأوضاع الحالية، لن تكون هناك موازنة في هذا العام بسبب انخفاض أسعار النفط التي أثرت بشكل مباشر على الإيرادات المالية، ورفعت نسبة العجز في موازنة 2025".

وفي حال تم إلغاء الموازنة، فإن وزيرة المالية طيف سامي قد تصدر قرار يتضمن إطلاق العلاوات والترفيعات لموظفي الدولة التي توقفت وتأخرت بسبب الموازنة.

وفي 16 ابريل/نيسان الماضي، حذرت اللجنة المالية النيابية، من عدم تعديل سعر برميل النفط في الموازنة العراقية الاتحادية العامة إثر الانخفاض الحاصل في أسعار النفط العالمية.

وذكر عضو اللجنة جمال كوجر، أن "سعر برميل النفط كان محدداً في قانون الموازنة العامة 70 دولاراً للبرميل، وكان سعر برميل النفط في حينها أكثر من 70 دولاراً، ولم يتم بعد معرفة هل عدلت الحكومة سعر برميل النفط في الموازنة أم لا".

وأشار كوجر إلى أن "الموازنة التشغيلية في الدولة العراقية 90 تريليون دينار فقط، وأن سعر برميل النفط إذا انخفض دون 60 دولاراً ولم يتم معالجة ذلك فهذا سوف يؤدي إلى دخول البلاد في أزمة مالية، وأن الحكومة ستصرف الإيراد المالي للنفط على رواتب الموظفين فقط.

وشددت وزارة المالية العراقية، في وقت سابق السبت، أن الأموال التي جرى سحبها من مصرفي الرافدين والرشيد "الحكوميين" لا تمثل ودائع المواطنين أو الأرصدة التأمينية الخاصة بالمصارف، بل تعود إلى الحسابات السيادية للوزارة، وكانت محفوظة كأداة تشغيلية مؤقتة، وأعيد نقلها بحسب التعليمات المالية والإدارية لتخصيصها ضمن الموازنة العامة.

وأكدت الوزارة، في بيان رسمي، أن بعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وعدداً من النواب تداولوا معلومات مغلوطة، ضمن ما وصفته بالترويج للأكاذيب والإشاعات بدوافع سياسية وانتخابية، معتبرة ذلك نوعاً من الخطاب الانتخابي الذي يفتقر إلى المسؤولية الأخلاقية.

وأضاف البيان أن المقارنة بين هذه الإجراءات وتجارب انهيار مصرفي في دول أخرى غير دقيقة، متجاهلة خصوصية البنية القانونية والرقابية للقطاع المصرفي العراقي الخاضع لرقابة البنك المركزي وتعليمات صارمة في مجال الامتثال والحوكمة.

وأشار البيان، إلى أن مصرفي الرافدين والرشيد يحتفظان بسيولة عالية واحتياطيات نقدية تفوق النسب المقررة، ويؤديان مهامهما بانتظام في صرف الرواتب وتمويل المشاريع والوفاء بالالتزامات تجاه الزبائن، مبينًا أن الاحتياطي القانوني لمصرف الرافدين لدى البنك المركزي يبلغ نحو 9 تريليونات دينار عراقي.

ولفتت الوزارة إلى أن آخر كتاب صادر من البنك المركزي بتاريخ 24 نيسان الماضي أكد أن احتياطي مصرف الرافدين غير المستخدم بلغ 4 تريليونات و277 مليار دينار، فيما بلغ الاحتياطي المستخدم 4 تريليونات و263 مليار دينار، بإجمالي يفوق 8 تريليونات و540 مليار دينار، دون أن يتم المساس بها بأي شكل.

وأوضح البيان أن السرقات التي طالت بعض حسابات الأمانات سابقاً كانت بسبب إبقاء الأموال دون حركة لفترات طويلة، ما أتاح لشبكات الفساد استغلال الثغرات، مؤكدة اتخاذ إجراءات رقابية جديدة بالتنسيق بين المصارف ووزارة المالية لتقليل المخاطر.