'تحوُّلات الأدب الرقميّ'.. مساهمةٌ في المعرفة الرّقميّة

كتاب القاص والباحث المغربي اسماعيل البويحياوي يأتي في سياق انفتاح المبدع والإنسان العربي على التكنولوجيات الحديثة، ويكشفُ لنا عن رؤية جديدة في الخيال الأدبي العربي وإمكانيّة الاستفادة من المقاربة المعرفيّة التّداوليّة في توسيع المدارك عن الأدب الرّقمي وتحولاته.

يأتي كتاب "تحوّلات الأدبي الرّقميّ: إرادة قول المؤلف الرّقمي، مقاربة تداوليّة معرفيّة للسرد الأدبي التّفاعلي" للقاص والباحث المغربي اسماعيل البويحياوي (منشورات جامعة المبدعين المغاربة، ط 1، 2021) في السّيّاق انفتاح المبدع والإنسان العربي بشكلٍ عامٍ على الرّقميّات والتكنولوجيات الحديثة، فهذا الكتاب يكشفُ لنا عن رؤيةٍ جديدةٍ في الخيال الأدبيّ العربي وإمكانيّة الاستفادة من المقاربة المعرفيّة التّداوليّة في توسيع المدارك والرؤى عن الأدب الرّقمي وتحولاته وسيروراته.
  يكتب د. سعيد يقطين في مقدمة الكتاب:"إن الكتابة عن الأدب الرّقمي في صلتها بالأدب العربي ما تزال جنينيّة، بل في بدايات تشكلها. وليس هذا غريبا. فالأدب الرَقميّ على المستوى العالمي الذي بدأت صلاته بالرقميات منذ أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، ما يزال بدوره يبحث عن مرساة يُرسي فيها قواعد وأدبيات جديدة قابلة للتطوير. ورغم التراكم الذي حصل نظريا وتطبيقا ما تزال الأبحاث تستكشف، وتتساءل، ولم يستقر إلى الآن أي من التصورات المتحققة لأنّها ما فتئت تواكب جديد التطورات والمنجزات التي تتحقق بوتيرة مذهلة" (ص/4).
 بهذا المعنى، يكونُ الأدب الرّقمي موجةً جديدة في الأدب العربي، ويؤشِّر على بداية حقبة جديدة في تاريخ الأدب والتّفكير فيه من خلال الوسائط الرّقميّة، والباحث سعيد يقطين، يقرُّ تجربة الأدب الرّقميّ عربياً ما تزال في طور التّشكل والتّبلور، إلى جانب أن اقتحام تجربة ناشئة، تتَطلَّبُ كفايات إجرائيّة جديدة ومغايرة.
 بدوره، يقتحمُ الباحث المغربي إسماعيل البويحياوي في هذا الكتاب الذي يستغرق 220 صفحة، تجربة الأدب الرّقميّ، وفي جعبته عدّة مفاهيميّة وإجرائيّة جديرة بالاهتمام والمتابعة.
 ويكفي أن نذكر في هذا السيّاق، أنّ الكاتب ناقش سنة 2020 بحثاً لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة محمد الخامس بالرباط تحت عنوان:"السرد الأدبي التفاعلي، مقاربة تداولية معرفية"، إضافةً إلى الدراسات والمقالات التي نُشرتْ هنا وهناك، مما يدلُّ على امتلاك الباحث للعدّة المعرفيّة اللازمة لاقتحام مجاهل الأدب الرّقميّ وتحوّلاته الطّارئة على مسار الإبداع وطرائق التّفكير فيه.
  1. الخيالُ السّردي وسيرورات التّحوُّل
  تؤشر العناوين المُشَكِّلَة للكتاب:"إشكالية الخصائص الخطابية للنص المترابط" – "إشكالية بلاغة النص الرقمي"- "ماهية النص المترابط"- التفاعلي والوسيط: المفهوم وأشكال التفاعل"، وغيرها من العناوين على أن ثمة تحوّلات جذريّة يعرفها الأدب العربي، فهو لم يعدْ فقط كتابات ورقيّة، وإنّما أيضاً أضحى مجالاً للتجريب والمغامرة والبحث. تجريب طرقٍ ممكنة للإبداع والخلق الابتكار في مناحي متعددة مختلفة للكتابة والتّخييل، ولا غرو أن هذا الاتّجاه (الأدب الرّقميّ) الذي بدأ في الانتشار في مختلف مناحي الثقافة العربية والمغربية على وجه الخصوص، سَيُشَكِّلُ إضافةً نوعيّة في المشهد الأدبي السّردي العربي.
 ويُمكن في هذا الصّدد، الاستئناس بكتابات الباحثين المغربيين: د. سعيد يقطين، د. زهور كرام اللذان أسّسا للأدب الرّقميّ عربيّاً وفكّرا فيه من منطلق الإسهام المثمر والمثري للنقاش والبحث.
 ومن المفيد التّنصيص هنا، أن اسماعيل البوحياوي قام بجهدٍ مُضاعف في عمليّة الاشتغال على النّصوص الرّقمية، فهو لم يكتفِ بالتنظير فحسب، وإنّما، اشتغل عمليّاً على نص "الأعمال الاثنا عشر للمبحر" لسيرج بوشاردون، بهدف "تحقيق بطولة متعددة الأبعاد والمظاهر، بطولة علمية، ومعرفية، وتقنية، وإبداعية، وتعليمية، مع مسحة سخرية تلف هذه المقاصد والأبعاد"، فهذه الملاءمة بين الخيال السردي والتّقنيات الحاسوبيّة، تُسهم في التّخييل السّردي معرفة سيروراته وجمالياته وإمكانات التّأويل والقراءة. 
من هذه الزّاوية، تبدو مقصدية الخطاب في الأدب الرّقمي، مرتهنة بالقدرة على التّغلغل في خصوصيّات البناء السردي التفاعلي، من حيث هو بنية تتأسّس على صورٍ متعددة وأصواتٍ مختلفةٍ.
  إن كتاب :"تحوُّلات الأدب الرّقميّ" تجربة مُبهرة في عالم الخيال السّردي في صلته بالحاسوب، وما ينطوي عليه ذلك، من تعدُديّة في قراءة النّصيّات وتأويلها، فقد سَمَحَ مؤلّف البويحياوي في اقتحام مجاهيل الأدب الرّقمي التّفاعلي من خلال الاطّلاع الواسع على كل ما كُتبَ حول الموضوع من جهةٍ، ثم، الاشتغال في محفل السرد القصصي من جهةٍ ثانيةٍ، أو من خلال متابعة عددٍ من الدّراسات التي تتّصلُ اتّصالاً مُباشراً بهذا الموضوع.  
2. المعرفة الرّقميّة أفقاً 
  بيد أن المُساهمة في التّنظير للأدب الرّقمي والرّفع من فاعليته وترسيخ كشوفاته وإوالياته، يَتَطَلّبُ حفراً عميقاً في مظان السّرد الأدبي التّفاعلي وتوفير المتطلّبات الضّروريّة لتحقيق مقصديات الخطاب. 
يقول السّارد:"لا يمكن للتواصل الإبداعي بين الذات المبدعة المتواصلة، والقارئ المبحر كذات متلقية أن يكون ناجحاً إلا إذا وفّر مبدع السرد الأدبي التفاعلي المعطيات الضرورية، التي تُسعفُ القارئ المبحر في فهم العمل، وتأويله التأويل الملائم الصائب، ومن ثمة، مساعدته، بكل نزاهة، على إصابة إرادة قوله بشكل صائب لا لبس فيه"(ص/ 187)، فتحقيق التّفاعل المثمر لا يتم ولا يتبلور بشكله المناسب، إلا من خلال تفاعلات الصورة والصوت واللغة والتّخييل والبنية السردية والمورفولوجية، إضافة الرّهان على "المبادرة التّأويليّة للقارئ على حدّ تعبير امبرطو إيكو، عليه، فإن عمليّتي القراءة والتّأويل لا بد لهما من تفاعلٍ بين المبحر والمادّة السردية، قراءةً وتحليلاً، بحثاً تفعيلاً للمهارات اللازمة لإدراك المقصديات وإنجاح التّواصل الإبداعي الرّقميّ.
  إن أفق المعرفة الرّقمية، السّردية على وجه الخصوص، آخذةٌ في التّوسع والانتشار على المستوى المغربي، مُنخرطةٌ في تفكيك رموز الكتابة التّخييلية/ السّردية، رغم حداثة السرد الأدبي التفاعلي واعتباره "نوعاً هجيناً" من الكتابة والتّخييل، لكن، رغم هذه النّظرة المُتصلِّبة، الضّيقة، فإنه يبقى في طليعة الأدب الذي بدأ يكتسبُ حياةً ووجوداً ومكانةً بارزةً في المشهد الإبداعي العربي، لأنّه مستوحى من روح العصر وواقع المعرفة الجديدة، والأكيد أنّ هذه التّجربة التي دخل غمارها الباحث باطلاعٍ واسعٍ وعدّةٍ مفاهيميّة جادّة، كفيلة بأن تُجدِّد الرؤى حول مستجدات التكنولوجيا والمعرفة الرّقميّة، وأن تُسهم في بلورة أدبٍ رقميّ لا يتجاوز الحقبة الورقيّة فحسب، بل يعيد التفكير في كل ما يُنتجُ عربياً سواء أكان ورقياً أو رقميّاً.