تركيا ترفض بضاعتها التي رُدّتْ إليها

فضح الزلزال تركيا وفضح الفاسدين العراقيين معها.

في بلد مثل العراق بات الجميع على يقين أنهم مشاريع قتل لأجل عيون الفساد، حقيقة أصبح يُدركها صغيرهم قبل كبيرهم، ظاهرة لا تجد لها تفسيراً مُقنعاً، فلم يعد الشَبع أو التوقف عن الإنقضاض حاضراً كما يحصل في غرائز الحيوانات كي يردعهم أو يمنعهم، الفساد أصبح مثل الهواء الذي يستنشقه المواطن المغلوب على أمره.

في كل يوم تستيقظ صباحاً لتجد حكاية من حكايات الفساد التي تُشغِل العقول بعض الوقت لتحل مكانها حكاية أخرى، لكن أن يكون حجم الحكاية بمساحة إبادة مجتمع فذلك من عجائبيات العراق وغرائبه التي لا تجدها إلا في قصص ألف ليلة وليلة بالفساد.

القصة بإختصار أن العراق قرر أن يُساعد تركيا وسوريا بمساعدات ومواد إغاثية للتخفيف عن الضرر الذي أصاب البلدين من جراء الزلزال المدمر الذي ضرب بلديهما، فكان القرار بفتح جسور برية وجوية مع البلدين لإرسال المساعدات الإغاثية العاجلة.

ومن المتعارف عليه في بروتوكولات الإغاثة أن يستفهم ويستفسر البلد الذي ستحط على أرضه نوعية تلك المساعدات وتصنيفها وموادها وحتى كمياتها من جانب المُرسِل لغرض خزنها وتوزيعها على المتضررين، فما كان الجواب من الجانب العراقي إلا أن أخبرهم أن المساعدات والمواد الإغاثية والأدوية تتضمن على الأغلب بضاعة كان العراق قد إستوردها من تركيا تحتوي على زيوت وطحين ومواد غذائية وأدوية مُصنّعة في مصانع الجارة. كانت الدهشة والغرابة التي أصابت الوفد الإغاثي تكمن أن الجانب التركي رفض تلك المساعدات ومنع دخولها إلى أراضيه مُدّعياً أنها غير مطابقة للمواصفات المطلوبة. تفاجئ العراقيون أنهم يتناولون منتجات تركية غير صالحة للإستهلاك البشري تمتلئ بها محلاتهم وأسواقهم طوال سنوات لم تُكشف إلا عن طريق سونار الزلازل التي فضحها.

زلزال تركيا كان رسالة للعراقيين أن أغلب البضائع التي كانت تُصدّر لهم عبر الجارة الشمالية كانت منتهية الصلاحية. المصيبة أن مواد الحصة التموينية التي كانت تُجهّز لهم شهرياً لتسد جزءاً من إحتياجاتهم المعيشية كانت تركية. سُخرية القدر أن الزلزال فضح فساداً يدخل بيوت العراقيين من خلال غذائهم ويتناوله أطفالهم.

يمكن أن نتخيل أن الفساد يصل إلى كل شيء، لكن أن يصل إلى تهديد حياة المواطن في دوائه وغذائه فذلك هو زلزال الفساد الذي هو أشد فتكاً من زلازل الأرض.

في مصيبة كهذه أصبح المواطن لا يدري من يلوم، هل هو أردوغان الذي سمح بتصدير كل ما هو تالف وعفن إلى العراقيين؟ أم من إستباحوا الحياة وإسترخصوا حياة العراقيين من سياسيي الصدفة؟

ضاعت على العراقيين الحقيقة في الذي يُريد أن يقتلهم. المساعدات العراقية التي كانت عبارة عن مواد إغاثية ومساعدات أغلبها منتجات تركية كان العراق قد إستوردها قبل حدوث الزلزال. ربما يعجز العقل عن توصيف الجريمة التي ضحيتها أولئك البؤساء والفقراء وهم يتناولون بضاعة تالفة وغير صالحة للإستهلاك البشري.

الكوميديا السوداء التي تُضحك بقدر ما تُبكي تجعلنا نصرخ بأي مصاب يعيش العراق وبأي ذنب يُقتل شعبه، ربما سيكون الجواب مُنتهي الصلاحية كما حصل مع تلك المساعدات التالفة التي رفضها الأتراك وأعادوها إلى العراق لتتناوله العائلة العراقية في غذائها ودوائها وتُعاد دورة الحياة لها للبيع في الأسواق المحلية.

وقف أمامي سؤال يقول "ماذا نقول للزلزال الذي فضح الفساد في بلدنا؟" حقاً ماذا نقول له.