
تركيا تضطر لتسيير دوريات مع روسيا
موسكو - قالت روسيا، إن تركيا استأنفت الدوريات المشتركة مع الجيش الروسي في شمال شرق سوريا بعد توقف دام أسبوعين بينما لا يزال هجوم قوات الحكومة السورية على منطقة إدلب يضغط على العلاقات بين موسكو وأنقرة.
وقالت تركيا عقب الاجتماع إن روسيا لم تقدم بعد حلا مقبولا للعنف المتصاعد في شمال غرب سوريا، إلا أنها أضافت أن المحادثات مستمرة.
وقال إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئيس رجب طيب أردوغان للصحافيين في أنقرة "في الوقت الحالي لم يتم التوصل إلى نتيجة مرضية من المفاوضات"، رافضا اعلان موسكو أن الهجوم ضروري لمنع أي هجمات ضد قاعدة للجيش الروسي في المنطقة، مضيفا "هذه التصريحات لا تتفق مع الواقع الميداني".
وانتهت الثلاثاء مباحثات بين وفدي البلدين في العاصمة الروسية في ظل مؤشرات على توتر في العلاقات بين أنقرة وموسكو على خلفية تقدم قوات الجيش السوري في محافظة ادلب وسيطرتها على عدة مدن وبلدات وحصارها لنقطتي مراقبة تركيتين.
واستغرق الاجتماع الذي جرى بشكل مغلق بين الجانبين قرابة الساعتين في مقر وزارة الخارجية الروسية.
وترأس الوفد التركي نائب وزير الخارجية سادات أونال، فيما ترأس الوفد الروسي كل من نائب وزير الخارجية سيرغي فرشينين ومبعوث الرئيس الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف.
وغادر الوفد التركي العاصمة الروسية عقب انتهاء الاجتماع الذي شارك فيه دبلوماسيون ومسؤولون عسكرييون من الاستخبارات، بينما لم يصدر أي بيان رسمي حول فحوى المباحثات وهو مؤشر آخر على تأزم تحالف الضرورة بين البلدين حتى وان بدأت أنقرة في تسيير دوريات مشتركة مع موسكو في المحافظة المشمولة باتفاق سابق لخفض التصعيد.
وبحسب ما أفادت به مصادر دبلوماسية، أكد الوفد التركي في مباحثات الاثنين على ضرورة خفض التوتر على الأرض ومنع تفاقم الوضع الإنساني أكثر.
كما تباحث الوفدان حول تنفيذ جميع مخرجات اتفاق سوتشي حول إدلب والتدابير الكفيلة بمنع حدوث خروقات للاتفاق.
وفي سبتمبر/أيلول 2018، توصلت تركيا وروسيا إلى اتفاق يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب تُحظر فيها الأعمال العدائية.
لكن منذ ذلك التاريخ، قُتل أكثر من 1800 مدنيا في هجمات شنها النظام السوري والقوات الروسية.
وكانت تركيا وروسيا قد بدأتا في تسيير دوريات مشتركة في سوريا قرب الحدود التركية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، لكن القوات التركية توقفت عن المشاركة فيها في الثالث من فبراير/شباط وفقا لما نقلته وكالة إنترفاكس للأنباء عن مسؤول في وزارة الدفاع الروسية.

وقال مصدر أمني تركي في السابع من فبراير/شباط إن الدوريات المشتركة بين بلاده وموسكو تأجلت بسبب الأحوال الجوية، لكن توقف الدوريات المشتركة تزامن مع تصاعد التوتر بين البلدين بسبب التطورات في إدلب.
وقالت روسيا الأسبوع الماضي إن تركيا تستخف بالاتفاقات التي أبرمتها معها بشأن سوريا واتهمتها بالإخفاق في السيطرة على مسلحي المعارضة في إدلب الذين قالت إنهم يشنون هجمات على القوات السورية والروسية.
وتشن قوات الحكومة السورية المدعومة من روسيا هجوما على آخر معقل للمعارضة المسلحة في إدلب قرب الحدود التركية مما أجبر آلاف المدنيين على الفرار.
وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان "الدورية الروسية التركية المشتركة الأحدث تم تنفيذها" دون ذكر المزيد من التفاصيل.
وسارعت تركيا إلى تكثيف الاتصالات مع الجانب الروسي خشية انهيار الاتفاق الذي منحها إقامة 12 نقطة مراقبة في شمال سوريا، ووسط مخاوف أيضا من تعرض قواتها إلى هجمات أعنف من تلك التي تسببت في مقتل عدد من الجنود الأتراك ومن القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد في أول اشتباكات بين الطرفين.

وتأتي هذه التطورات بينما واصلت قوات النظام السوري الثلاثاء عملياتها العسكرية في شمال غرب البلاد برغم موجة نزوح ضخمة تّنذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة بعد فرار قرابة 900 ألف شخص في ظل ظروف إنسانية صعبة وبرد قارس.
وحذرت الأمم المتحدة وعدة منظمات إنسانية من تداعيات الوضع الكارثي خصوصا على الأطفال في منطقة تؤوي أساسا ثلاثة ملايين شخص نحو نصفهم من النازحين.
وقالت رئيسة المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ميشيل باشليه الثلاثاء "لم يعد هناك وجود لملاذ آمن. ومع تواصل هجوم القوات الحكومية والزجّ بالناس باتّجاه جيوب أصغر وأصغر، أخشى من أن مزيدا من الناس سيقتلون".
وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ديفيد سوانسون "فرّ حوالي 43 ألف شخص خلال الأيام الأربعة الأخيرة فقط من غرب حلب".
وتزداد معاناة النازحين مع انخفاض حاد في درجات الحرارة. ولجأ الجزء الأكبر منهم إلى مناطق مكتظة أساسا بالمخيمات قرب الحدود التركية في شمال إدلب، بينما لم يجد كثر خيم تؤويهم أو حتى منازل للإيجار واضطروا إلى البقاء في العراء أو في سياراتهم أو في أبنية مهجورة قيد الإنشاء وفي مدارس وحتى في جوامع.
وقال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك الاثنين "إنهم مصدومون ومجبرون على النوم في العراء وسط الصقيع لأن مخيمات اللاجئين تضيق بهم. الأمهات يشعلن البلاستيك لتدفئة أولادهن ويموت رضع وأطفال من شدة البرد".

وأشار إلى أن العنف في شمال غرب سوريا لا يفرق "بين منشآت صحية أو سكنية أو مدراس وجوامع وأسوق"، فجميعها طالتها نيران القصف والمعارك.
وتُعد موجة النزوح هذه الأكبر منذ بدء النزاع في سوريا في مارس/اذار من العام 2011، كما أنها الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.
وأسفر الهجوم منذ ديسمبر/كانون الأول 2019، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقتل أكثر من 380 مدنيا.
وخلال أسابيع، سيطرت قوات النظام على مناطق واسعة جنوب إدلب وغرب حلب وتمكنت من تحقيق هدف طال انتظاره بسيطرتها على كامل الطريق الدولي "إم 5" الذي يصل مدينة حلب بدمشق ويعبر عدة مدن رئيسية من حماة وحمص وصولا إلى الحدود الجنوبية مع الأردن.
وباتت هيئة تحرير الشام والفصائل تسيطر على 52 بالمئة فقط من محافظة إدلب وأجزاء من المحافظات الثلاث المحاذية لها: حلب وحماة واللاذقية.
وقبل يومين حققت قوات النظام هدفا آخر باستعادتها كافة المناطق المحيطة بمدينة حلب، ثاني أبرز المدن السورية وتمكنت بذلك من إبعاد هيئة تحرير الشام والفصائل عنها لضمان أمنها من القذائف التي طالما استهدفتها.
إلا أن هذا التقدم لا يعني انتهاء العمليات العسكرية بالنسبة لدمشق، إذ قال الرئيس السوري بشار الأسد الاثنين إن "معركة تحرير ريف حلب وإدلب مستمرة بغض النظر عن بعض الفقاعات الصوتية الفارغة الآتية من الشمال" في إشارة إلى التحذيرات التركية لقوات النظام بوقف تقدمها.
وتركز قوات النظام عملياتها حاليا في ريف حلب الغربي الذي تستهدفه غارات عنيفة تشنها الطائرات الحربية الروسية، وفق ما أورد المرصد السوري.
وأوضح مدير المرصد رامي عبدالرحمن أن قوات النظام "تتقدم باتجاه جبل الشيخ بركات" الذي يطل على ما تبقى من مناطق تحت سيطرة هيئة تحرير الشام والفصائل في غرب حلب، كما على مناطق واسعة قرب الحدود التركية في شمال إدلب تنتشر فيها مخيمات النازحين.
وتزامن هجوم قوات النظام خلال الأسبوعين الماضيين مع تصعيد بين أنقرة ودمشق تخللته مواجهات أوقعت قتلى بين الطرفين.
ووجهت أنقرة عدة إنذارات لدمشق وهددت بضرب قواتها "في كل مكان" في حال كررت اعتداءاتها على القوات التركية المنتشرة في إدلب.