تركيا تُدير ظهرها للمعارضة السورية في غمرة المصالحة مع دمشق

 مسؤول تركي رفيع يقول ردا على استياء المعارضة السورية المدعومة من أنقرة، من خطوات التقارب التركي السوري، إن تركيا هي من يحدد سياستها في أوضح علامة على أن أنقرة ماضية في إعادة تطبيع العلاقات مع الأسد.

بيروت/أنقرة - قال مسؤول تركي رفيع ردا على استياء المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري من التقارب بين أنقرة ودمشق، إن تركيا هي من يحدد سياساتها، في أوضح علامة على انعطافة كبيرة في الموقف التركي من النظام السوري والأثمان التي ستدفع نظير مصالحة ستكون تاريخية بين البلدين الجارين بعد سنوات من العداء والقطيعة.

وأبدت المعارضة السورية التي يُقيم عدد كبير من قادتها في تركيا اعتراضها على المصالحة التركية السورية المحتملة، فيما تسيطر ميليشيات مسلحة بينها جماعات إسلامية على مناطق في شمال سوريا في آخر معقل لها، معارضتها لخطوات التقارب التركي السوري ونظمت في الفترة الأخيرة احتجاجات للضغط على أنقرة.

ورغم أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو طمأن فصائل المعارضة السورية بأن بلاده لن تتخلى عن دعم مؤسسات المعارضة، إلا أن تلك التطمينات بدأت محاولة لاحتواء التوترات لا غير، فالإبقاء على أي دعم تركي لتلك الفصائل من شأنه أن يعطل جهود المصالحة التي ترغب فيها تركيا بشدة للتخلص من مشكلة الجماعات الكردية السورية المسلحة ولتسوية ملفات خلافية مع دمشق تثقل كاهل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بينما يستعد لخوض انتخابات حاسمة في يونيو/حزيران على الأرجح ويحتاج لتحقيق انتصارات دبلوماسية في سياق مصالحات أطلقها قبل أشهر أعادت الدفء للعلاقات بين تركيا وكل من الإمارات والسعودية وإسرائيل.   

وأصاب اللقاء بين وزيري الدفاع التركي والسوري في موسكو برعاية نظيريهما الروسي في الفترة القليلة الماضية، المعارضة السورية المدعومة من أنقرة بالإرباك وسط مخاوف من أن تقدمها تركيا كبش فداء نظير المصالحة مع النظام السوري.

وسيترتب على المصالحة المرتقبة تسوية ملفات خلافية بين أنقرة ودمشق تشمل وضع المعارضة السورية المسلحة والسياسية وكذلك ملف الوجود العسكري التركي في شمال سوريا وأيضا الملف الكردي وهو نقطة أساسية في أي صفقة إعادة تطبيع العلاقات.

وعقد الائتلاف الوطني السوري وهو تحالف لقوى المعارضة، لقاء مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أمس الثلاثاء.

وقال عبدالرحمن مصطفى رئيس الحكومة المؤقتة المعارضة التي تدعمها تركيا، إن الوزير التركي أكد للائتلاف استمرار دعم تركيا لمؤسسات المعارضة السورية والسوريين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

وقال مسؤول تركي كبير لرويترز إن بلاده اطلعت على ردود فعل فصائل المعارضة على اجتماع وزيري دفاع البلدين، لكن تركيا هي التي تحدد سياساتها، مضيفا "من غير المنطقي أن نتوقع نتيجة فورية من أول اجتماع للوزيرين".

ولا تكشف تركيا عن كل تفاصيل خطوات التقارب التي بدأت العام الماضي بلقاءات بين مسؤولي الأجهزة الأمنية والاستخاباراتية وبلقاء عابر بين وزيري الخارجية التركي والسوري على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد في أكتوبر من العام الماضي، بالعاصمة الصربية بلغراد.

لكن الاتجاه العام يؤكد عزمها طي صفحة الخلاف مع دمشق والتنسيق معها في ما يخص مشكلة التنظيمات الكردية السورية المسلحة والسياسية.

ولم يبد التقارب التركي السوري واردا في أوائل الصراع الذي أودى بحياة مئات الآلاف من الأشخاص وجذب العديد من القوى الأجنبية وقسم سوريا إلى مناطق نفوذ مختلفة.

وتحث قوى المعارضة السورية السياسية والمسلحة تركيا على إعادة تأكيد دعمها لقضيتها وذلك بعد عقد أعلى مستوى من المحادثات العلنية بين أنقرة وحكومة دمشق منذ بدء الحرب السورية في عام 2011.

وقدمت تركيا دعما قويا ومأوى للمعارضين السياسيين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد بالإضافة إلى تدريب المعارضة المسلحة والقتال إلى جانبها ضد قوات الحكومة السورية.

لكن وزيري الدفاع التركي والسوري اجتمعا في موسكو يوم 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي. وقال مسؤول تركي إن جدول الأعمال تضمن موضوع الهجرة والمسلحين الأكراد المتمركزين على الحدود السورية مع تركيا، فيما سبق لأنقرة أن تحدثت عن ضرورة تسوية بين النظام السوري ومعارضيه.

وكان الرئيس التركي قد وصفه نظيره السوري مرارا في السنوات الماضية بأنه إرهابي، قائلا إنه لا يمكن أن يكون هناك سلام في سوريا ما دام في منصبه، بينما وصف الأسد أردوغان بأنه لص واتهمه بسرقة الأراضي السورية، لكن اللقاء الأخير بين وزيري دفاع البلدين في نهاية العام الماضي أعطى أوضح علامة على تبدل الموقف التركي وهو موقف من شأنه أن يعيد رسم المشهد في شمال سوريا قد يكون مناقضا تماما لما كان عليه في السابق.

وأثارت الانعطافة في الموقف التركي من النظام السوري بعد سنوات من العداء والقطيعة مخاوف فصائل المعارضة السورية والجماعات الإسلامية المسلحة المدعومة من تركيا وبعضها وصف خطوات التقارب بأنها "طعنة في الظهر".

عبر زعيم هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقا أبومحمد الجولاني عن قلقه من خطوات التقارب التركي السوري برعاية روسية، مشيرا في احدث ظهور له في شريط فيديو، إلى أن تلك المفاوضات التي جرت مؤخرا بين وزيري دفاع تركيا وسوريا في موسكو بحضور نظيرهما الروسي تهدد أهداف الفصيل الذي يقوده.

وقال إنه يرفض تلك المفاوضات، محذرا ضمنا من انقلاب في الموقف التركي، بينما تشعر الميليشيات السورية الموالية لأنقرة وكذلك سكان المناطق الواقعة في نطاق الاحتلال التركي بالقلق ذاتها من أن تضحي بها تركيا نظير مصالحة مع النظام السوري ضمن صفقة تشمل كذلك كبح التنظيمات الكردية التي حققت مكاسب كبيرة بفضل الدعم الأميركي وتسعى على المدى البعيد لتأسيس كيان كردي بعد تأسيسها إدارة حكم ذاتي. 

وبحسب ما ورد في كلمته في الشريط الذي بثته منصات موالية للتنظيمات الإسلامية المتطرفة، قال الجولاني إن الفصائل المسلحة "تواجه تحديا جديدا" واصفا المحادثات بين تركيا ودمشق برعاية روسيا بأنها "انحراف خطير يمسّ أهدافنا".

وفي تصريحات تسلط الضوء على قلق هيئة تحرير الشام وحلفائها، حذّر الجولاني أنصاره من أن "يخذلهم القريب والبعيد" في اشارة على ما يبدو لتركيا التي تدعم الفصائل السورية المعارضة بشقيها السياسي والعسكري. وتعتبر هيئة تحرير الشام أكبر تلك الفصائل وتسيطر على آخر معقل للمعارضة السورية في شمال سوريا وتحافظ على مستوى من التنسيق مع سلطة الاحتلال التركي وهو ما يضمن لأنقرة إلى حدّ ما إدارة الوضع والانفلاتات التي تحدث بين الحين والآخر في صفوف الميليشيات الموالية لها.