تسلل روسي ناعم إلى افريقيا من بوابة "الدعم الكامل"
موسكو - سعت موسكو خلال مؤتمر وزاري روسي - إفريقي عقد السبت والأحد في سوتشي إلى فرض نفسها كشريك لا غنى عنه للدول الإفريقية، واعدة بتقديم دعم كامل لها في عالم متعدد الأقطاب يروج له الكرملين بمواجهة الغرب، في وقت تكثف فيه روسيا جهودها لتقوية نفوذها في المنطقة ضمن مساعيها لكسر عزلتها الدولية المفروضة عليها على خلفية غزوها لأوكرانيا.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الأحد في كلمة موجهة إلى كبار المسؤولين من حوالي خمسين دولة إفريقية في سوتشي "سنواصل تقديم دعمنا الكامل لأصدقائنا الأفارقة في مجالات مختلفة".
وأكد في الكلمة التي تلاها وزير الخارجية سيرغي لافروف أن هذا الدعم قد يكون على صعيد "التنمية المستدامة ومكافحة الإرهاب والتطرف والأمراض الوبائية حل المشاكل الغذائية أو تبعات الكوارث الطبيعية".
وأعرب بوتين عن أمله في تعزيز العلاقات الروسية الإفريقية بمجملها، في ختام المؤتمر الذي عقد استكمالا لقمتين بين موسكو والقارة استضافتهما روسيا في العامين 2019 و2023.
وأكد لافروف أن روسيا والدول الإفريقية "تلمس تقدما على كل محاور التعاون بينها بالرغم من العقبات المصطنعة التي طرحها الغرب الجماعي"، وهو التعبير الذي تستخدمه موسكو للإشارة إلى الولايات المتحدة وحلفائها.
ويأتي مؤتمر سوتشي بعد قمة لدول مجموعة "بريكس" استضافتها مدينة كازان في جنوب غرب روسيا الشهر الماضي، سعى بوتين خلالها إلى إظهار فشل سياسة العزل والعقوبات التي يتبعها الغرب ضده.
وتقوم استراتيجية روسيا لبسط نفوذها الإعلامي في إفريقيا ولا سيما عبر شبكات التواصل الاجتماعي، على التنديد بـ"الاستعمار الجديد" داعية إلى "نظام عالمي أكثر عدلا"، وهو خطاب يلقى استجابة لدى قسم من المسؤولين الأفارقة.
وأكد وزير الخارجية المالي عبدالله ديوب السبت على هامش المؤتمر أن "روسيا ليست قوة استعمارية ولم تكن يوما كذلك"، متابعا "بل على العكس، كانت بجانب الشعوب الإفريقية وشعوب أخرى في العالم لمساعدتها على الخروج من النظام الاستعماري". في المقابل، يتهم العديد من المسؤولين الغربيين موسكو بشن حرب إمبريالية في أوكرانيا.
وبعدما كانت روسيا خلال الحقبة السوفييتية لاعبا رئيسيا في إفريقيا، تعمل منذ سنوات على إعادة تعزيز نفوذها في دول القارة التي لم تنضم إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بعد هجومها على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
وتنشط مجموعات مرتزقة روسية مثل مجموعة فاغنر، أو مجموعة "أفريكا كوربس" التي خلفتها، في إفريقيا دعما للحكومات المحلية، فيما يعمل مستشارون بحسب موسكو لمساعدة مسؤولين محليين.
وينطبق ذلك بصورة خاصة في إفريقيا الوسطى ودول الساحل حيث ترافق تنامي النفوذ الروسي مع تراجع النفوذ الفرنسي، لكن المسؤولين المجتمعين في سوتشي يعتبرون أن الدعم يجب أن يمضي أبعد من المسائل الأمنية.
وقالت ماري تيريز شانتال نغاكونو مفوضة البنى التحتية في المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا "يجب تطوير المجال الرقمي في وسط إفريقيا" بمواكبة روسية.
وتبدي مجموعات روسية كبرى اهتماما خاصا باستغلال المواد الأولية في إفريقيا، ولا سيما الألماس في أنغولا وزيمبابوي، والنفط في نيجيريا وغانا والكاميرون وجمهورية الكونغو الديموقراطية والبوكسيت في غينيا.
وقال يانغ بييرو أوماتسايي مؤسس منظمة "جيت إيج نايشن بيلدرز" التي تعمل لتشجيع تقدم القارة الإفريقية، ''لدينا أكثر من 75 معدنا في إفريقيا، ولا يتم استغلالها بالطريقة المناسبة".
وتابع السياسي النيجيري أنه "بفضل شراكة مع روسيا، أحد كبار مصدري الغاز والنفط والألماس في العالم، سنتمكن من استخدام هذه الموارد بصورة جيدة".
لكن باكاري سامبي مدير معهد تمبكتو في داكار رأى أن الشراكة مع روسيا على المدى البعيد تطرح تساؤلات، موضحا "هل أن روسيا ستولي إفريقيا الاهتمام ذاته إن انتهت الحرب في أوكرانيا؟"، وهل يمثل هذا التعاون أولوية إستراتيجية حقيقية أم اهتماما ظرفيا على ارتباط بصراعها مع الغرب؟