تعديل الدستور التونسي يعيد المساواة في الميراث إلى الواجهة

ناشطون حقوقيون يسعون إلى إحياء مبادرة قائد السبسي التشريعية المتعلقة بالمساواة في الميراث التي أسقطتها حركة النهضة الإسلامية في 2018.
تونس

قالت رئيسة لجنة حقوقية سابقة للإصلاحات التشريعية في تونس إن احتمال تعديل الفصل الأول من الدستور المتعلق بدين الدولة يعيد الأمل في إحياء مبادرة رئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي حول المساواة في الميراث بين الجنسين.

وقال منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور الجمهورية الجديدة في تونس الصادق بلعيد هذا الأسبوع، إنه "سيعرض على الرئيس قيس سعيّد مسودة لدستور لن تتضمن ذكرا للإسلام دينا للدولة، بهدف التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على غرار حركة النهضة".
وينص الفصل الأول من الباب الأول للمبادئ العامة لدستور 2014 على أن "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها".
وفي أغسطس 2017 تم إنشاء لجنة الحقوق الفردية والمساواة من قبل قائد السبسي. وتولت اللجنة التي ترأستها المحامية والناشطة الحقوقية والسياسية بشرى بالحاج حميدة، إعداد تقرير عن الإصلاحات التشريعية المتعلقة بالحريات الفردية والمساواة "وفقا لدستور 2014".
ويرى متابعون أن مربط الفرس يكمن في عبارة "وفقا للدستور". وهو ما أكدته بشرى بالحاج حميدة التي قالت في تصريح خاص لـ"ميدل إيست أونلاين" إنه "على الرغم مما يبدو عليه دستور 2014 متحررا وتقدميا إلا أن روح الشريعة الإسلامية واضحة في العديد من فصوله".
وأضافت بالحاج حميدة "لذلك طالبت لجنة الحقوق الفردية والمساواة بإلغاء المصطلحات الدينية من القانون التونسي على غرار الشرع والموانع الشرعية والمحرمات والفحش..".
وأعربت بالحاج حميدة عن املها في أن يتم إحياء مشروع قانون المساواة في الميراث الذي عطلته حركة النهضة الإسلامية ومنعت تمريره.
وصادق مجلس الوزراء الذي ترأسه آنذاك رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 على مشروع القانون الأساسي المتعلق بإتمام مجلة الأحوال الشخصية، والذي يتضمن أحكاما تتعلق بالتساوي في الميراث.
 

السبسي وصف مبادرته بأنها تتماشى مع نص الدستور وروحه وتتلاءم مع فلسفة ومبادئ حقوق الإنسان

ورغم تمريره للمناقشة في لجان البرلمان، كان المشروع يحتاج للتصويت عليه في جلسة عامة إلى أغلبية مطلقة من المساندين بموافقة 109 أصوات على الأقل من مجموع 217 صوتا. وهي معادلة كان يصعب تحقيقها دون حزب النهضة وتحالفاته النيابية. 
وعارضت النهضة بشدة المشروع وأعلنت "تمسكها بنظام المواريث كما ورد في النصوص القطعية في القرآن والسنة"، حسب بيان صادر عن مجلس شورى النهضة آنذاك.
وبررت النهضة موقفها انذاك بـ"تعارض هذه المبادرة مع قطعيات الدين ونص الدستور ومجلة الأحوال الشخصية، إلى جانب أنها تثير جملة من المخاوف على استقرار الأسرة التونسية ونمط المجتمع وما قد تترتب عنه من فتنة مجتمعية".
وأجاب الرئيس الراحل في وقتها على معارضي المبادرة من الأئمة ورجال الدين والأحزاب بأن "المبادرة تتماشى مع نص الدستور وروحه، وتتلاءم مع فلسفة ومبادئ حقوق الإنسان".
وقال إن "استثناء النساء من المساواة في الميراث بتعلّة الخصوصية الدينية يتعارض مع روح الدين الإسلامي ومقاصد الشريعة وغير متلائم مع فلسفة ومبادئ حقوق الإنسان". وتعليقا على موقف حزب النهضة، قال قائد السبسي "اتخذت هذه الخطوة في مصلحة البلاد، والنهضة لها تصور آخر لمصلحة البلاد".
وعن إمكانية عودة لجنة الحقوق الفردية والمساواة إلى العمل وإحياء مبادرة قائد السبسي، قالت بالحاج حميدة إن ذلك غير ممكن لأن اللجنة انتهى وجودها القانوني بعد أن قدمت تقريرها النهائي إلى رئيس الجمهورية في الـ8 من حزيران/ يونيو 2018.
واستدركت بالحاج حميدة قائلة "ولكن ذلك لا يمنع أن نعود ونطرح المبادرة من جديد وهو ما سنعمل عليه في الأيام القادمة عبر تحركات منظمات المجتمع المدني على غرار رابطة حقوق الإنسان واتحاد المرأة وجمعية النساء الديمقراطيات".
 

الفصل الأول من الدستور باب دخل منه الرجعيون للتحكم في تفاصيل حياة التونسيين وأثر على المنظومة القانونية والقضائية والحقوقية

وأشارت بالحاج حميدة إلى أن التنسيق والتشاور بدآ بالفعل بين المنظمات الحقوقية التونسية للتحرك في هذا الاتجاه، مشيرة إلى أن "الطرف الذي عطل المبادرة بتعلة الأحكام الدينية الواردة في الدستور قد تم تحييده، وقريبا سيتم تحييد الأحكام الشرعية المندسة في دستور 2014".
ونظمت الديناميكية النسوية المستقلة الجمعة وقفة احتجاجية بالعاصمة التونسية، تحت شعار "لا تراجع لا استفتاء على الحريات وحقوق النساء". 
وتتضمن مجلة الأحوال الشخصية التونسية الصادرة سنة 1957 العديد من الأحكام التي يعتبرها المحافظون مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية بينما ينظر إليها آخرون على أنها ثورية على غرار منع تعدد الزوجات، ومنع الزواج العرفي، وإقرار المساواة الكاملة بين الزوجين في كل ما يتعلق بأسباب الطلاق وإجراءاته وآثاره ، ومنع تزويج القاصر دون سنة الـ17 إلا في حالات استئنائية جدا، ومنع فرض الرجل ولايته على المرأة مهما كانت صلة القرابة بينهما..
لذلك رجح البعض أن قائد السبسي باقتراحه مبادرة المساواة في الميراث كان يرغب في أن يدخل التاريخ كالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي أقر جملة القوانين "الثورية" والمتعلقة بحقوق المرأة، بينما رأى آخرون أن قائد السبسي كان يغازل المرأة التونسية بتلك المبادرة في إطار حملة انتخابية سابقة لأوانها.
وختمت بالحاج حميدة حديثها مع "ميدل إيست أونلاين" بالقول "إنْ صدق قيس سعيّد والصادق بلعيد فعلا وتم التخلي عن أن الدولة دينها الإسلام، ستلاحظون الآثار الكبرى التي كان ينتجها الفصل الأول من الدستور على كامل المنظومة القانونية والقضائية والحقوقية. فهذا الفصل لا يحدد هوية الدولة فقط كما يتراءى للبعض بل يتحكم في هوية شعب كامل. وهو باب لطالما دخل منه الرجعيون وخاصة الإخوان للتحكم في تفاصيل حياتنا وعلاقاتنا ببعضنا البعض".