تعيين ممثل لأردوغان في العراق.. رغبة في توسيع النفوذ وتأمين المصالح

من المتوقع أن يكون لممثل تركيا الخاص لدى العراق صلاحيات واسعة قد تكون أكبر حتى من صلاحيات السفير التركي لدى بغداد.

أنقرة – عينت تركيا ممثلا خاصا لها لدى العراق، وفق ما ورد الخميس في الجريدة الرسمية التي أوضحت أن الحكومة كلفت وزير الغابات وشؤون المياه السابق فيسيل إيروغلو بهذه المهمة، بينما يأتي قرار التعيين تزامنا مع وصول رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى أنقرة في زيارة من المتوقع أن يبحث فيها مع المسؤولين الأتراك أكثر من ملف سياسي واقتصادي وأمني.

كما يأتي القرار بينما يستعد العراقيون لإجراء انتخابات تشريعية تعتبر مصيرية في تحديد من سيتولى إدارة شؤون البلاد، وسط تشكل تحالفات انتخابية أظهرت حجم التعقيدات ومشهدا سياسيا شديد الالتباس.

ومن المتوقع أن يكون لممثل تركيا الخاص لدى العراق صلاحيات واسعة قد تكون أكبر حتى من صلاحيات السفير التركي لدى بغداد، بينما قالت الجريدة الرسمية إن "إيروغلو وبصفته الممثل الخاص لأردوغان، سيقود العلاقات الثنائية مع بغداد بشأن قضايا تتراوح بين الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي وتقاسم الموارد المائية وجهود إعادة الإعمار"، مضيفة أن التعيين يعكس "التزام أنقرة بتعزيز العلاقات مع بغداد، مع الديناميات الإقليمية المتطورة".

ويكشف هذا التعيين عن رغبة تركية في تواجد عملي أكبر في الساحة العراقية التي تعتبر ساحة خلفية لأكثر من دولة جارة خاصة منها إيران.

وتعيين ممثل خاص قد يسهل عملية التواصل والتنسيق بين البلدين لمعالجة القضايا الخلافية، لكنه أيضا يكشف مساعي تركيا إلى زيادة نفوذها في المنطقة، فيما يعتبر العراق يعتبر دولة ذات أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لأنقرة.

ويشير التعيين كذلك إلى أن تركيا تسعى لتعزيز نفوذها في العراق وإلى أن ممثلها الخاص قد يتولى إدارة ملفات خلافية عالقة بين البلدين تشمل تواجد حزب العمال الكردستاني في الساحة العراقية.

وتعتبر تركيا حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية وتشن عمليات عسكرية متكررة داخل الأراضي العراقية، خاصة في إقليم كردستان، لملاحقة مقاتلي الحزب.

وترى الحكومة العراقية أن هذه العمليات تمثل انتهاكا لسيادتها وتطالب تركيا بوقفها والتنسيق مع بغداد في مكافحة الإرهاب، بينما لدى حكومة إقليم كردستان موقف معقد، حيث تستضيف قوات البيشمركة التابعة لها، لكنها تعاني أيضا من تأثيرات وجود حزب العمال الكردستاني والعمليات التركية.

ويؤدي هذا الملف إلى توترات دبلوماسية مستمرة وسقوط ضحايا مدنيين وتأثيرات سلبية على الاستقرار والأمن في شمال العراق.

ويعتبر ملف المياه وتقاسم الموارد المائية الخلاف الرئيسي، حيث يعاني العراق من نقص متزايد في المياه ويتهم تركيا ببناء سدود كبيرة على نهري دجلة والفرات مما يقلل من حصة المياه الواصلة إليه.

وتطالب الحكومة العراقية بضرورة التوصل إلى اتفاق عادل وملزم لتقاسم المياه يضمن حصة كافية للعراق.

وتؤكد أنقرة على حقها في إدارة مواردها المائية وتدعو إلى تعاون مشترك لإدارة المياه بشكل مستدام، مشيرة إلى أن التغير المناخي يلعب دورا في نقص المياه ويؤثر هذا الملف على الزراعة والاقتصاد وحياة السكان في العراق ويظل مصدر توتر دائم في العلاقات الثنائية.

وتعتبر التدخلات التركية في الشأن العراقي أيضا من ضمن الخلافات الرئيسية حيث تتهم بعض الأطراف العراقية تركيا بالتدخل في شؤونها الداخلية ودعم بعض الجماعات أو الأطراف السياسية وتشدد الحكومة العراقية على ضرورة احترام سيادتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

وتنفي تركيا هذه الاتهامات وتؤكد على احترامها لوحدة وسيادة العراق، مشيرة إلى أن تدخلاتها تهدف فقط إلى مكافحة الإرهاب وحماية أمنها القومي. ويساهم هذا الملف في خلق حالة من عدم الثقة بين بعض الأطراف في البلدين.

ومن بين الملفات الخلافية الأخرى التواجد العسكري التركي في قاعدة بعشيقة شمال العراق. وتقول إنها لحماية قواتها التي كانت تدرب متطوعين لمقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية، بينما تعتبر الحكومة العراقية هذا التواجد انتهاكا لسيادتها وتطالب بسحب القوات التركية، لكن أنقرة ترفض الانسحاب الكامل وتعتبر تواجدها العسكري ضرورة لحماية أمنها القومي.

ورغم مباحثات متكررة بين الجانبين لحل هذا الخلاف، بقي الملف محل شد وجذب بين البلدين دون حل أو حتى مؤشرات على نهاية قريبة للخلاف القائم منذ سنوات.

وعلى الرغم من وجود تبادل تجاري كبير بين البلدين، إلا أن هناك بعض القضايا المتعلقة بالرسوم الجمركية وتنظيم التجارة الحدودية ومشاريع البنية التحتية المشتركة التي تحتاج إلى حلول.

ويسعى كلا البلدين إلى تعزيز التعاون الاقتصادي، لكن تحتاج بعض القضايا إلى اتفاقات واضحة لتسهيل التبادل التجاري والاستثمارات.

وذكرت الجريدة الرسمية التركية أن إيروغلو الذي من المتوقع أن يقدم أوراق اعتماده في بغداد في الأسابيع المقبلة، سيعمل خارج السفارة التركية في العاصمة العراقية، موضحة أنه أشرف على حقيبة شؤون الغابات والمياه في تركيا من عام 2011 إلى عام 2018، وأنه يمتلك خبرة واسعة في إدارة البيئة والموارد لدوره الدبلوماسي الجديد.

وتتزامن هذه التطورات مع وصول رئيس مجلس الوزراء العراقي صباح اليوم الخميس، إلى العاصمة التركية أنقرة في زيارة رسمية، حيث جرت مراسم استقباله في القصر الرئاسي بالعاصمة التركية وكان في استقباله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وتأتي الزيارة بينما تسعى بغداد لتسوية عدة خلافات عالقة مع أنقرة وتعزيز مجالات التعاون الاقتصادي. وسيجري السوداني الذي سيترأس وفد العراق في اجتماعات المجلس الأعلى العراقي التركي للتعاون الاستراتيجي، مباحثات مع أردوغان كما يفترض أن يحضر مراسم التوقيع على اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع الجانب التركي في عدة قطاعات.

ووصف قبل مغادرته بغداد في مقال صحفي، مشروع طريق التنمية بأنه يمثل توجها لنهج اقتصادي للتصدي للأزمات وهو المشروع الذي أطلقه العراق لنقل البضائع من الخليج مرورا بتركيا وصولا إلى أوروبا.

‎وقال كذلك إن "العراق يدعو إلى اعتماد نهج اقتصادي تكاملي يعالج التفاوت التنموي ويعزز القدرة الجماعية على مواجهة أزمات الغذاء والطاقة وسلاسل الإمداد"، مضيفا "نحن اليوم لا نعيد بناء العراق فحسب بل نشارك في إعادة رسم ملامح الشرق الأوسط عبر سياسة خارجية متوازنة وقيادة واعية ومبادرات تنموية، وشراكات استراتيجية".

وسيشارك السوداني وفق مصادر عراقية وتركية في برنامج تنظمه وكالة الأناضول تحت عنوان "المحور: العلاقات التركية-العراقية"، بينما سيناقش قضايا تتعلق بأبعاد العلاقات التركية العراقية بجوانبها السياسية والأمنية والإقليمية والدولية.