تغيير السعودية نظام المعاملات التجارية لا يهدأ مخاوف المستثمرين

بعض المستشارين يرون أن النظام الجديد للمعاملات التجارية قد يغير قواعد اللعبة إذ يوفر الوضوح القانوني لمجموعات كبيرة من البنوك وشركات المحاماة ومديري الأصول والشركات.
القضاة السعوديون يتلقون التدريب على النظام الجديد للمعاملات التجارية
 النظام الجديد سيطبق بأثر رجعي على جميع العقود
السعودية تحاول ملاءمة تشريعاتها بما يتيح جذب المستثمرين الأجانب

الرياض/دبي - شكل دخول أول قانون مدني مكتوب في السعودية في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي انعطافة مهمة للمعاملات التجارية في المملكة التي تسعى لتعزيز الاستثمار وتنويع مصادر الدخل من خارج قطاع النفط ضمن خطة تحول اقتصادي طموحة يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلا أنه وعلى أهميته يبقى الحذر لدى المستثمرين قائما وسط تساؤلات حول كيفية وآلية تطبيقه.

وتبقى المخاوف قائمة إذ تريد بعض الشركات تفادي المحاكم السعودية في حالة النزاعات التجارية وترغب في الاستثمار في دول تتلاءم قوانينها مع القوانين الأوروبية.

وحل التشريع الجديد محل نظام يتمتع فيه القضاة بسلطة تقديرية كاملة في الفصل في المنازعات التجارية استرشادا بالشريعة الإسلامية. وفي السابق كان ذلك يصنع حالة من عدم اليقين بالنسبة للمستثمرين مثل عماد غندور والذين كانوا حتى الآن يستثمرون فقط في حصص الأغلبية بالشركات السعودية.

وتبدو القواعد الجديدة التي أقرتها الرياض في مجال المعاملات التجارية جاذبة لعدد من المستثمرين ومنهم غندور الذي يرى أن التغييرات الجديدة تدعو لإعادة التفكير وربما تشجع شركته للمرة الأولى على شراء حصص أقلية في شركات المملكة وهو بالضبط ما يهدف إليه قادة البلاد في سعيهم لجذب مليارات الدولارات من رؤوس الأموال الجديدة لتنويع مصادر الاقتصاد بعيدا عن الوقود الأحفوري.

وقال غندور المؤسس المشارك والمدير الإداري لشركة سيدار بريدج كابيتال بارتنرز التي تمتلك أصولا تزيد قيمتها عن 140 مليون دولار في أوروبا والشرق الأوسط، إن الإطار الجديد "يسمح لنا بحماية أنفسنا بشكل أفضل وأكثر قابلية للتوقع مما كان عليه الوضع في ظل القانون القديم".

ويعد نظام المعاملات المدنية الجديد جزءا من خطة الإصلاح التي تنفذها المملكة والمعروفة باسم رؤية 2030 والهادفة إلى تحويل اقتصادها بعيدا عن قطاع النفط والغاز.

وحددت الرياض في عام 2021 هدفا للوصول إلى 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر بحلول عام 2030، وهو ما يبدو بعيد المنال حيث تُظهر أحدث البيانات تدفقات أقل بقليل من 33 مليار دولار في عام 2022.

ويقول بعض المستشارين إن النظام الجديد قد يغير قواعد اللعبة إذ يوفر الوضوح القانوني لمجموعات كبيرة من البنوك وشركات المحاماة ومديري الأصول والشركات التي تنشئ مكاتب أو تفكر في استثمارات في أكبر اقتصاد في منطقة الخليج.

وقال جوزيف شيدراوي الشريك في شركة كوفينجتون اند بورلينج للمحاماة والذي يقدم المشورة للشركات المشاركة في النزاعات الدولية في البلاد إن "مجرد وجود مدونة تنص بإيجاز ووضوح على الموقف القانوني تجاه بعض القضايا، سواء كان ذلك تكوين العقود أو الأضرار أو الإنهاء أو غير ذلك، سيعطي المزيد من الثقة للمستثمرين".

ورغم ذلك يشير محامون ومصرفيون ومستثمرون أجرت رويترز مقابلات معهم إلى أن عدم اليقين بشأن آلية تطبيق القوانين الجديدة يعني أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت قبل أن يتم تنفيذ المزيد من الصفقات، مما يؤدي إلى انتعاش واضح في تدفقات الاستثمار المباشر.

وقال أندرو ماكنزي رئيس قسم التقاضي والتحكيم والتحقيقات بالشرق الأوسط في شركة دي.إل.إيه. بايبر الذي يقدم المشورة للشركات في السعودية "عليك بعد ذلك أن ترى تطبيقه وأن ترى المحاكم تطبقه، سيكون هذا طريقا للاكتشاف بالنسبة للقضاة إلى حد ما".

وقال غندور أيضا إن شركته ستحتاج إلى معرفة آلية تطبيق القانون على أرض الواقع قبل تقديم أي التزامات ثابتة، لكن على الأقل لم يعد الإطار القانوني مدعاة للتردد.

وقال جيم كرين الباحث في معهد بيكر بجامعة رايس في هيوستن بشأن عدم وجود قواعد تجارية مكتوبة سابقا وترك الأمر للأحكام التقديرية "بالنسبة لكثير من قادة الأعمال، كانت المخاطر السياسية للعمل في المملكة مرتفعة للغاية".

ورغم أن نظام المعاملات الجديد لا يزال يتبع مبادئ الشريعة الإسلامية بشكل كبير فإنه يستند إلى القانون المدني المصري لعام 1849 المصمم على غرار قانون نابليون ويحدد المبادئ التوجيهية القانونية التي يجب على القضاة الالتزام بها.

وقال شيدراوي إن القضاة يتلقون التدريب على النظام الجديد وسيطبق بأثر رجعي على جميع العقود. كما قال غندور إن النظام الجديد يسمح الآن لصفقات المساهمين بأن تتضمن حق الخروج من الاستثمار من خلال بند متفق عليه مسبقا أو القدرة على إجبار مساهمي الأقلية على الانضمام إلى بيع الشركة، مضيفا أن هذه الحقوق لم تكن تُطبق في السابق بشكل عالمي مما أدى إلى إضعاف مراكز المستثمرين.

وفي السابق، عندما كانت تطالب الأطراف بتعويضات في الدعاوى القضائية كان في سلطة المحاكم تعديل المبالغ اعتمادا على أحكام القضاة لكن بموجب النظام الجديد ستقتصر أي أضرار على ما هو مدرج في العقد باستثناء حالات الاحتيال أو الإهمال الجسيم.

وقال أحد الممولين إن المزيد من الوضوح يعني أيضا أن البنوك ربما تحتاج إلى تخصيص قدر أقل من رأس المال عند تقديم القروض المضمونة، الأمر الذي قد يحرر المزيد من التمويل.

ويمكن للمقاول أيضا التوقف عن العمل إذا لم يتلق أمواله أو إذا تم انتهاك العقد بطريقة أخرى. ويسمح النظام الجديد أيضا برفع دعوى قضائية بسبب خسارة الربح والتي كانت في السابق منطقة رمادية قانونية لأن توجيهات الشريعة نصت بشكل عام على أن التعويض يجب أن يكون مبلغا ثابتا.

ورغم ذلك لا تزال هناك شكوك قائمة حول كيفية معاملة الأطراف الأجنبية والمحلية في حالات النزاعات التجارية. وقال أحد المستثمرين العالميين الذي تحدث شريطة عدم نشر هويته، إن مجموعته الاستثمارية رفضت الاستثمار في المملكة لأنها كانت ستخضع للقانون السعودي. ولا تزال المجموعة تفضل إبرام الصفقات في الدول التي يمكن فيها صياغتها وفق القوانين الأوروبية.

وقال محام في شركة محاماة أميركية، تحدث أيضا شريطة عدم نشر هويته، إن العديد من المستثمرين ما زالوا يفضلون صياغة العقود باستخدام القانون البريطاني مع بند للتحكيم لتجنب المحاكم السعودية، مضيفا أن هؤلاء المستثمرين يريدون تجنب الدعاوى القضائية المحتملة في المحاكم السعودية التي يعتقدون أنها قد تقف إلى جانب الحكومة وليس المستثمر الأجنبي.