تقليص المساعدة الأممية يثيرُ مخاوف اللاجئين السوريين في الأردن

النازحون السوريون يحاولون الانخراط في المجتمع الأردني وسوق عمله لتأمين لقمة عيشهم، لكنهم بقوا تحت ضغوط الحياة التي يعيشها الأردنيون أساسا.

عمان - يلقي تقليص المساعدات الأممية بظلال قاتمة على مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن الذين يذهب بعضهم إلى اعتبار أن هذا القرار ينطوي على مخطط يهدف إلى دفعهم للعودة إلى بلدهم، بينما أكدت المملكة أنها لن تتحمل لوحدها عبء إعاشة نحو 1.5 مليون لاجىء سوري، مشددة على أنه لا مستقبل لهؤلاء إلا في بلادهم، خاصة بعد فكّ عزلة النظام السوري وعودة دمشق إلى الحضن العربي في مايو/أيار الماضي.

وقال لاجئون إن المساعدات التي تقدمها منظمات أممية توقفت بداية أغسطس/آب المنصرم غير مستبعدين أن تكون الغاية من ذلك إجبارهم على العودة إلى سوريا.
وفي 13 يوليو/تموز الماضي أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة "سيقطع الدعم الحيوي عن اللاجئين السوريين بالمملكة اعتبارا من الأول من أغسطس/آب 2023".
وقال في سلسلة تغريدات عبر حسابه على تويتر إن "وكالات الأمم المتحدة الأخرى وبعض المانحين يفعلون الشيء نفسه، لن نكون قادرين على سد الفجوة وسيعاني اللاجئون لا يمكننا تحمل هذا العبء وحدنا".
وأضاف "توفير حياة كريمة للاجئين مسؤولية عالمية ليس بلدنا وحده كبلد مضيف ويجب أن تعمل الأمم المتحدة لتمكين العودة الطوعية، وحتى ذلك الحين يجب أن تحافظ وكالاتها على الدعم الكافي".
وبعد تصريحات الصفدي، أعلن برنامج الأغذية العالمي في 19 يوليو/تموز تقليص مساعداته الشهرية لأكثر من مئة ألف لاجئ سوري يقيمون في الأردن، اعتبارا من الأول من أغسطس/آب بسبب نقص التمويل، دون الحديث عن وقفها بشكل كامل.
وقال البرنامج في بيان "سيضطر البرنامج آسفا إلى تخفيض قيمة المساعدات الشهرية بمقدار الثلث لجميع اللاجئين السوريين في مخيمي الزعتري والأزرق البالغ عددهم 119 ألف لاجئ بسبب نقص في التمويل".
ونقل البيان عن المدير القطري الممثل المقيم لبرنامج الأغذية العالمي في الأردن ألبرتو كوريا مينديز قوله "نشعر بقلق بالغ إزاء تراجع حالة الأمن الغذائي لدى الأسر اللاجئة، مع نقص التمويل فإن أيدينا مقيدة".
ومنذ العام 2018، بلغ عدد العائدين السوريين من الأردن إلى بلدهم نحو 40 ألف فقط، منهم 5800 في آخر عامين، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ورغم محاولة اللاجئين السوريين الانخراط في المجتمع الأردني وسوق عمله لتأمين لقمة عيشهم، إلا أنهم بقوا تحت ضغوط الحياة التي يعيشها الأردنيون أساسا، لكنهم عقب قرارات بعض المنظمات الأممية تقليص المساعدات عنهم باتوا تحت تهديدي الجوع أو العودة إلى بلدهم صوب مصير مجهول.
وقال منير الخطيب (60 عاما) لاجئ سوري منذ 11 عاما "كنت أتلقى مساعدات بقيمة 200 دولار من المجلس العسكري السوري باعتباري عسكريا منشقا"، مضيفا "بعد أن توقفت انتقلت للعيش في مخيم الزعتري (أكبر مخيمات اللجوء السوري بالأردن)، ثم خرجت منه في وقت لاحق".

 "على العالم أن لا ينسى اللاجئين السوريين فهم معلقون لا يقدرون على العودة ولا على الاستمرار بالوضع المعيشي الذي يمرون به".

وأضاف "كنا نعيش على كوبون 'قسيمة' بمواد غذائية من برنامج الغذاء العالمي والآن نحن بلا مساعدات"، مضيفا "لا أستبعد أن يكون لوقف المساعدات علاقة بقرار إعادتنا إلى سوريا، البعض عاد لأنه ليس عليه شيء ولكن بالنسبة إلى العسكريين فلن يعودوا أبدا مهما كلف الأمر لأن مصيرهم معروف"، في إشارة إلى استهدافهم من جانب النظام.
وقال "من دون مساعدات لن نستطيع العيش، فأنا على سبيل المثال مريض بالقلب والشرايين وما يصلني من فاعلي الخير أشتري به علاجات".
ودعا المجتمع الدولي إلى "عدم ترك السوريين لأن الوضع مأساوي الأردن تحمل الكثير ولم يقصر معنا ولكن بما نراه حاليا لا نعلم إلى أين نسير".
بدوره قال اللاجئ حكمت الزعبي"والله العظيم مديونين"، مضيفا "أجرة البيت مكسورة علينا ونعيش كل يوم بيومه ونسعى لتأمين وجبتنا المقررة ولا ننتظر التالية".
وتابع الزعبي وهو معلم سابق في سوريا "على العالم أن لا ينسى اللاجئين السوريين فهم معلقون لا يقدرون على العودة ولا على الاستمرار بالوضع المعيشي الذي يمرون به".
ولم يستعبد ما تحدث عنه الخطيب من أن يكون قرار تقليص المساعدات له علاقة "بالضغط علينا للعودة".
واستدرك "سوريا غير مستقرة والوضع الاقتصادي فيها صعب ولو هناك إمكانية للعودة فسنعود دون الضغط علينا".
وتطرق إلى مخاوف أخرى تتعلق بإمكانية عودتهم بقوله "أبناؤنا حاليا بسن الخدمة العسكرية وذلك يعني بأنهم ذاهبون إلى الموت بأرجلهم".
وحث المجتمع الدولي والأمم المتحدة على أن "ينظرا إلى السوريين بعين العطف لحين عودتنا إلى بلادنا سالمين".
أما الحاجة هند محمود أم عبدالله (80 عاما) فقد انهمرت الدموع على وجنتيها دون سابق إنذار وهي تستذكر ما مرت به وأسرتها من ظروف صعبه في بلادها.
وقالت "أعيش مع ابنتي التي أصبحت أرملة في ريعان شبابها بعد أن أعدم النظام زوجها ميدانيا مع عشرات الشبان في محافظة درعا (جنوب)".
وأردفت "نعيش في الأردن منذ 11 عاما وكنا نتلقى قسائم مواد غذائية بشكل شهري وهذا الشهر لا يوجد هناك شيء".
وبطريقة عفوية، خاطبت أم عبدالله العالم بقولها "أجبروا بخاطرنا الله يجبر بخاطركم والله السوريين ليس لهم أحد".
وبحسب نشرات رسمية لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أحدثها منتصف أغسطس/آب الماضي، فإن ما حصلت عليه من متطلباتها المالية لعام 2023 بالنسبة للأردن هو 33 في المئة فقط، بواقع 128 مليون دولار من أصل 390 مليون دولار.
ويوجد في الأردن نحو 1.3 مليون سوري، قرابة نصفهم مسجلين لدى المفوضية بصفة "لاجئ"، فيما يقيم 750 ألفا منهم في البلاد قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، بحكم النسب والمصاهرة والعلاقات التجارية بين البلدين الجارين.
كما يتواجد في المملكة 66 ألف لاجئ عراقي و14 ألف يمني و6 آلاف سوداني إضافة إلى بضعة آلاف من جنسيات أخرى، بينها الصومالية، وفق إحصائيات رسمية.