تقويض البرهان لاتفاق جوبا يفاقم مأساة السودانيين

الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي يعتبر تصريحات البرهان لغة توتر سياسي وعسكري، وهي جزء من استراتيجية التعبئة العسكرية بينما الحل يكمن في توحيد الشعب .

الخرطوم – تعلقت آمال السودانيين على مفاوضات جوبا التي جرت الأسبوع الماضي بين الجيش السوداني والحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، لإيصال المساعدات إلى المدنيين، وأثار فشلها تساؤلات حول الجهة المسؤولة عنه، بينما تركزت الدلائل على قيادة الجيش الذي يستمر بقرع أصوات الحرب في كل مناسبة، ضاربا عرض الحائط بالمأساة الإنسانية في البلاد.

وقالت الحركة الشعبية إن وفد الجيش الذي ترأسه شمس الدين كباشي نائب القائد العام تسبب في إفشال مفاوضات جوبا، متهمة إياه بمحاولة استخدام ملف المساعدات الإنسانية لفك الحصار الخانق عن عدد من المقرات العسكرية في إقليم كردفان.

وردّ وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم، قائلا إن الحركة الشعبية شمال أصرت على مشاركة قوات الدعم السريع في المفاوضات، الأمر الذي اعتبره سببا في انهيار المفاوضات وعدم توصل الأطراف لاتفاق حول إيصال المساعدات الإنسانية.

وأشارت الحركة الشعبية إلى أنها سعت منذ بداية التفاوض للوصول إلى حل قومي يستفيد منه المتضررون والعالقون في مناطق الحرب في كافة أنحاء السودان. وذكرت أن وفد الجيش لم يلتزم بطلب لجنة الوساطة من الطرفين بعدم الذهاب إلى الإعلام.

وأوضحت في بيان "بعد تعليق المفاوضات طلبت الوساطة الجنوب سودانية من الطرفين عدم التصريح لوسائل الإعلام حتى لا تتعقد الأمور ويتم تسميم الأجواء، والتزم وفد الحركة بذلك، الا أن وفد الجيش عقد مؤتمرا صحفيا وعددا من اللقاءات الرسمية وغير الرسمية عقب وصوله إلى بورتسودان وأرسل عبر هذه اللقاءات عدة رسائل سلبية مصحوبة بأكاذيب وروايات لم تحدث في جولة التفاوض".

حمدوك يوقع اتفاقين منفصلين مع زعيم "الحركة الشعبية – شمال" عبد العزيز الحلو، وقائد "حركة تحرير السودان" عبد الواحد نور لإنهاء الحرب وتأسيس الدولة على أسس علمانية

واتهمت الحركة حكومات السودان المتعاقبة باستخدام الغذاء كسلاح في مواجهة المدنيين، مشيرة إلى رفض الجيش السوداني تضمين إقليمي جبال النوبة والفونج ضم برنامج شريان الحياة الذي أقيم في 1989 كما رفض إيصال المساعدات الإنسانية خلال 22 جولة تفاوض استمرت من 2011 وحتى 2019.
ويعيش السودانيون أوضاعا إنسانية بالغة السوء تعقدت أكثر في ظل عدم توفر مسارات آمنة لتوصيل المساعدات في وقت تشهد فيه الأسواق شحا كبيرا في المواد الغذائية وارتفاعا في أسعار الأصناف القليلة المتوافرة بسبب التدهور المريع في قيمة صرف العملة الوطنية حيث يتم تداول الدولار الواحد بنحو 1750 جنيها مقارنة مع 600 جنيها قبل الحرب وخروج أكثر من 80 في المئة من المصانع عن الخدمة بعد الحرب التي اندلعت في منتصف أبريل 2023 وأدت لمقتل نحو 30 ألف على الأقل وتشريد أكثر من 12 مليونا من منازلهم.

وتسعى العديد من الأطراف إلى وقف نزيف الدماء رغم تعنت الجيش، حيث وقع رئيس الوزراء السوداني السابق ورئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" عبد الله حمدوك، اتفاقين منفصلين مع زعيم "الحركة الشعبية – شمال" عبد العزيز الحلو، وقائد "حركة تحرير السودان" عبد الواحد نور لإنهاء الحرب وتأسيس الدولة على أسس علمانية واستنادا لحق تقرير المصير.

ووقع حمدوك على "إعلان نيروبي" مع الحلو بصفته رئيسا لتحالف "تقدم"، ثم مع عبد الواحد نور بصفته رئيسَ وزراء سابقا، في حضور الرئيس الكيني وليام روتو.

وظلت حركة عبد الواحد نور ضمن الفصائل المسلحة التي تتمسك بالقتال في إقليم دارفور منذ نحو ثلاث عقود، ورفضت الاعتراف بالحكومة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، واعتبرتها امتدادا للنظام السابق. أما الحركة الشعبية بقيادة الحلو، فتسيطر على مناطق واسعة في ولاية جنوب كردفان وأجزاء محدودة في إقليم النيل الأزرق. واستطاعت التوسع في مناطق جديدة على حساب الجيش.

وفي الأثناء لا يكف رئيس القائد العام للقوات المسلحة، عبدالفتاح البرهان عن دق طبول الحرب، وانتقد الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر، بشدة تصريحاته التي أكد فيها عزمهم تكوين لواء من المستنفرين وجعل المقاومة الشعبية الحاضنة الأساسية للشعب السوداني.

وعبّر كمال عمر في تصريح لموقع ”الراكوبة” المحلي عن استغرابه من تصريح البرهان وتسأل “كيف يمكن لهم أن يكونوا حاضنة ومن الذي فوضهم”.

وأضاف أن حديث البرهان ليس سياسيًا بل لغة حرب ولم يستطع ضبطها، وأشار إلى أن تصريحات البرهان تعتبر لغة توتر سياسي وعسكري، وهي جزء من استراتيجية التعبئة العسكرية. وأكد أن الحل يكمن في توحيد الشعب على كلمة واحدة في بناء الدولة السودانية.

وكان البرهان قال خلال مخاطبته المواطنين بمنطقة المتمة بولاية نهر النيل، وتقديم العزاء في الملازم أول محمد صديق، إن الحرب بدأت الآن ولن يتركوا للعدو مكانًا لينام أو يرتاح فيه.

وأضاف أنهم سيقومون بتكوين لواء من المستنفرين بكامل أسلحتهم وسياراتهم، وأنهم حريصون على أن تكون المقاومة الشعبية هي الحاضنة الأساسية للشعب السوداني.