تنامي الخطاب المناهض لفرنسا في إفريقيا الفرنكوفونية

دراسة تحذر من أن الشعور المناهض لفرنسا قد يترسخ بشكل دائم لدى شعوب إفريقيا الفرنكوفونية، موضحة أنه لا يجب حصر الأسباب في دعاية روسية غذت ذلك الشعور.

باريس - يترافق تراجع النفوذ الفرنسي في إفريقيا الفرنكوفونية وتحديدا في مستعمراتها السابقة مع موجة كراهية آخذة في التنامي خرجت من نطاقها النخبوي إلى الشعبي وطبعت كذلك علاقات باريس المتوترة مع عدة أنظمة في القارة خاصة منها تلك التي تحكمها مجالس عسكرية بقيادات جنرالات انقلبوا على بعض الأنظمة.

وينتشر الخطاب المناهض لفرنسا في إفريقيا الفرنكوفونية لأبعد من النخب المتعلمة في المدن في ظاهرة "قد تترسخ بشكل دائم"، على حد قول آلان أنتيل الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري).

ورافقت الانتقادات الموجهة إلى سياسة فرنسا في السنوات الأخيرة تظاهرات عنيفة ضد الشركات الفرنسية مثل توتال أو ضد الممثليات الدبلوماسية في تشاد ومالي ومؤخرا في بوركينا فاسو.

وقال أنتيل الذي يدير مركز إفريقيا جنوب الصحراء في المعهد الفرنسي إن عمق هذه الظاهرة "لا يقارن مع ما كان يمكن أن نراه في العقود السابقة".

وخصصت دراسة آلان أنتيل مع زميله تياري فيركولون، الصادرة بتاريخ الأربعاء لـ"الموضوعات والجهات الفاعلة ووظائف الخطاب المناهض للفرنسية في إفريقيا الناطقة بالفرنسية".

وقال أنتيل إننا أصبحنا بعيدين عن الوقت "الذي كانت فيه الانتقادات الصريحة محصورة في الدوائر القيادية للمثقفين والتي كان يمكن في بعض الأحيان خلال الأزمات السياسية الخطيرة، أن تنتقل إلى الشوارع".

ومن اللافت للنظر أن المنتقدين لم يعودوا يسعون حتى لإثبات الأكاذيب. وقال الباحث نفسه "لم يعد الأمر يحتاج حتى لإثبات أن فرنسا تدعم الجهاد. بل يتم تأكيد ذلك".

ورأى أن تكثف المشاعر المعادية للفرنسيين يفسر بـ"مسارات اقتصادية وسياسية مخيبة للآمال" في البلدان التي عاش سكانها فترة من الأمل في تقدم اقتصادي وفي مجال الديمقراطية.

وفي مواجهة فشل سياساتهم يلجأ قادة هذه البلدان إلى إلقاء اللوم على طرف آخر بتأكيدهم أن "فرنسا مسؤولة في النهاية عن عدم تنمية هذه البلدان وفساد نخبها" حسب أنتيل، مؤكدا أن هذه "حجة تأتي دائما للتوضيح وتبرئة هذه النخب في نهاية المطاف".

في الوقت نفسه، تمكنت هذه الخطب المناهضة للفرنسيين من الازدهار لأن القادة الفرنسيين أنفسهم كانوا بطيئين في الرد.

وأوضح أن السلطات الفرنسية كانت حتى وقت قريب "في حالة من الإنكار" وتنظر إلى الأمر على أنه مرتبط بالأزمات، أو تلاعب روسي.

وتكشف الدراسة وجود "صلة بين هذه الحرب الدعائية الروسية وشرائح معينة من الشبكات الاجتماعية الإفريقية".

ويؤكد آلان أنتيل أنه لا يمكن إنكار أن شبكات التواصل الاجتماعي نشرت على نطاق واسع معلومات كاذبة مثل مقاطع فيديو أو صور تظهر جنودا فرنسيين "قيل إنهم يسرقون الذهب" أو "يتعاونون مع الجهاديين".

لكن الخبير يحذر من مغبة تفسير كل شيء بالدعاية الروسية. وقال "من الواضح أن الروس يلعبون دورهم ولهم تأثير ويمولون حملات مناهضة للفرنسيين".

ورأى أن الاعتقاد بأنه يكفي أن "نوضح للأفارقة بأن الروس يتلاعبون بهم لوضع حد لها" سيكون خطأً في التحليل، مضيفا أن هذه الخطب وبعيد عن انحسارها "ستترسخ بشكل دائم في المجالات السياسية والرأي العام في هذه البلدان"، مستشهدا بثلاثة عوامل تغذي المشاعر المعادية للفرنسيين: الوجود العسكري وسياسة المساعدات التنموية والعملة.

وقال الباحث إن عدد الجنود الفرنسيين انخفض بشكل كبير من ثلاثين ألفا في أوائل ستينات القرن الماضي إلى نحو 6100 اليوم، لكن "النزعة التدخلية لم تتضاءل".

أما الفرنك الإفريقي (فرنك المجموعة المالية الإفريقي) وبمعزل عن الإصلاحات وابتعاد فرنسا، فاسمه وحده يبقى "رمزا" بينما تبنت فرنسا نفسها اليورو.

لكن الباحثين اللذين فحصا شبكات التواصل الاجتماعي والصحف أكدا أن الخطاب المناهض للاستعمار موجود بالتأكيد، لكنه "ليس مركزيا" في انتشار المشاعر المعادية للفرنسيين. وأكدا أن الانتقادات مرتبطة "أكثر بمرحلة ما بعد الاستعمار".

ويشير آلان أنتيل إلى ضرورة طمأنة الرأي العام في هذه الدول. وقال "في الجانب الفرنسي هناك هفوات في الطريقة التي نتحدث بها مع المحاورين"، مضيفا أن "الشكل مهم جدا ونحن لا ندرك أهميته بشكل كافٍ"، مستذكرا الانتقادات التي واجهها الرئيس إيمانويل ماكرون خلال رحلته الرسمية الأخيرة إلى إفريقيا. كما أكد أن "حساسيات الرأي العام الإفريقي استثنائية - يمكن فهم ذلك لمعاملتهم كأنداد لا أن يأتيهم شخص يعطي دروسا ويسخر منهم".