تهافت المجتمع الدولي

فضحت المجازر في غزة عورة الحكومات والمنظمات والمؤسسات الحقوقية والانسانية في الغرب.

الحرب في غزة، والتي تأتي في سياق مغاير هذه المرة حيث فرضت المقاومة الفلسطينية ساعة الصفر من خلال عملية طوفان الأقصى، لم تكن كسابقاتها من الحروب والمواجهات، وانما هي نقطة تحول مهمة في كشف اختلال معايير المجتمع الدولي.

وخلال الايام القليلة الماضية كشفت مجريات الحرب عن زيف المجتمع الدولي ومنظماته الدولية في حماية حقوق الافراد والمجتمعات، او تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين، وأصبح من الصعب على الناس الوثوق به مجددا.

أبرزت الحرب حجم الظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني امام شاشات التلفزيون وبشهادة الاقمار الصناعية، وكشفت عن مدى تواطؤ المجتمع الدولي مع الاحتلال الإسرائيلي، وتحيزه المفرط الى الصهاينة، على الرغم عن بشاعة القصف والتدمير الذي طال المساكن والمستشفيات والمدارس والمواقع المدنية المأهولة بالسكان.

وتبين امام عدسات الكاميرات ان اغلب قادة الدول لا يرون ما يراه الناس من ممارسات صهيونية عدوانية تجاوزت كل المعايير والقواعد والاعراف الانسانية، وان الشعارات التي كانت تسوق لها المنظمات الدولية لم تكن سوى شعارات فارغة ذات ابعاد ومصالح وأهداف سياسية وليست انسانية.

لو عدنا الى ترتيب الاحداث نلاحظ بشكل واضخ ان اعتماد الرئيس الأميركي جو بايدن الرواية الاسرائيلية للحرب بما فيها إستعداده لممارسة الكذب الفاضح امام وسائل الاعلام عندما نسب مسؤولية قصف المستشفى المعمداني الى صواريخ القسام، كان بمثابة الايذان بانجراف المجتمع الدولي نحو التستر على جرائم الحرب الاسرائيلية.

واعتمد المجتمع الدولي المنهج الرئاسي الاميركي في الخداع بوصفه الايقونة التي تدور حولها تقارير ومواقف بعض المنظمات والجهات الدولية. ونلاحظ مثالا ان اغلبها بدأت بالاعتماد على مصادر إسرائيلية في تقديم تقاريرها عن حرب غزة او تحديد مواقفها، ومحاولة شيطنة المقاومة الفلسطينية، او تحميل الفرد الفلسطيني المظلوم مسؤولية نشوب الحرب وتبعاتها، دون النظر الى سنوات من الاستيطان والانتهاكات الجسيمة على الفلسطينيين.

اذ لم يستفيق الامين العام للأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو غوتيريش للمجازر التي ارتكبها الصهاينة ولاذ بالصمت مرتقبا سفك المزيد من الدماء الفلسطينية، وبعد وقوع مجزرة المعمداني وسقوط 500 قتيل اكتفى بتقديم ادانة باهتة للجريمة دون ان يدين الصهاينة بشكل مباشر، وهو موقف يحسب كمؤيد ومدافع عن ممارسات الكيان الغاصب.

ولم يختلف موقف المحكمة الجنائية الدولية عن هذا السياق، فقد ابرقت المنظمات الحقوقية الفلسطينية عدة مرات تطالب المدعي العام بإدانة الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها الاحتلال خلال الحرب، ولكن جوبهت تلك الرسائل بالإهمال والاعراض، وكأن المحكمة أصيبت بالعمى امام مشاهد القتل الجماعي المتعمد في غزة.

وعلى الرغم من ان مهمة المحكمة الجنائية الاساسية هي محاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الفظائع بحق الإنسانية وجرائم إبادة الجنس البشري، الا انها لم تتخذ قرارها حتى اليوم باعتبار الجرائم الواقعة في قطاع غزة ترقى الى جرائم الابادة، واكتفت في الايام الاخيرة بتحذير اسرائيل من مغبة التعنت في رفض فتح ممرات انسانية.

من الممكن ان تؤدي سياسات القتل المنظم وتورط المجتمع الدولي المباشر بدماء الشعب الفلسطيني إلى المزيد من فقدان الثقة في هذا المجتمع، مما قد ينتهي إلى انهيار مكانة القانون الدولي والذي لم يعد له مصداقية تذكر، سيشجع ذلك تاليا الى تنامي المنظمات المتطرفة من جديد، اضافة لتزايد اختراق بعض الدول للأنظمة والاتفاقات الدولية على غرار ما عملته اسرائيل في غرة.

لقد فضحت مجازر النازيين الجدد عورة المنظمات والمؤسسات الحقوقية والانسانية في الغرب، وكشفت ان العالم الحر الديمقراطي والمتمدن لم يحسن تقديم دولة مدنية حديثة الى العالم، وانما قدم كيانا لا يجيد سوى التدمير والقتل، وان اسرائيل كمنتج اميركي لم تكن سوى الة متوحشة مختصة بقتل الاطفال والابرياء.

ولذا يمكن القول ان ما حدث خلال الحرب الجارية الان في غرة لم يكن انكشافا لإسرائيل وممارساتها الخارجة على القانون، وانما كان انكشافا لعوار المجتمع الدولي، وفضيحة مدوية لمنظومة القيم والشعارات الغربية، وان معايير الديمقراطية وقوانين الحرب العادلة ما هي الا شعارات معلنة تخفي خلفها مضامين ممارسة ودعم وتأييد الارهاب والعنف ضد الشعوب المغايرة.