جامعة كولومبيا تفرض عقوبات على مجموعات طلاّبية مؤيدة للفلسطينيين

الطلاب المتضامنين مع الفلسطينيين يّتهمون بتغذية الكراهية إزاء اليهود، لكنهم ينفون الاتهامات موجّهين اللوم للجامعة على تحيّزها لإسرائيل.

واشنطن - منذ شهرين، تعيش جامعة كولومبيا في نيويورك على وقع تطورات الحرب في غزة، مع بيانات نارية وعرائض مضادة وعقوبات مفروضة على مجموعات طلابية مؤيدة للفلسطينيين تشكّل موضع نقاش في أجواء يسودها التسييس إلى حدّ كبير لدرجة أن أساتذة باتوا يعربون عن قلقهم على حرية التعبير.

وبات مشهد طلاب يرفعون الأعلام الفلسطينية ويتشحون بالكوفيات في تظاهرات مطالبة بوقف إطلاق النار في القطاع، مألوفا في حرم الجامعة في مانهاتن.

ويرفع الطلاب شعار "فلسطين حرة من البحر إلى النهر" الذي يرى فيه البعض دعوة لإزالة دولة إسرائيل، بينما يراه آخرون نداء لتحرير الفلسطينيين.

وعلى هامش تظاهرة نظمت الاثنين احتشدت مجموعة صغيرة مؤيدة لإسرائيل حاملة أعلام الدولة العبرية وحليفها الأميركي وسط موسيقى صاخبة.

ومنذ اندلاع الحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع الفلسطيني لم تسلم من السجالات هذه الجامعة الخاصة العريقة في الولايات المتحدة المعروفة بتظاهرات طلابها سنة 1968 ضدّ الحرب في فيتنام والتمييز العرقي.

والنقاشات بشأن النزاع في الشرق الأوسط ليست حديثة العهد في الحرم الجامعي حيث قدّم المفكر الفلسطيني الأميركي إدوارد سعيد محاضرات.

وفي العام 2020، أفضى استطلاع لآراء الطلاب إلى تصويت لمقاطعة إسرائيل. ورفضت رئاسة جامعة كولومبيا التي يربطها برنامج تبادل بجامعة تل أبيب، نتائج التصويت.

وباتت اليوم مجموعات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين تُتهم بتغذية الكراهية إزاء اليهود، وهي اتهامات تدحضها، وتوجّه في المقابل اللوم للجامعة على تحيّزها لإسرائيل، الأمر الذي تنفيه الإدارة بدورها.

ويقر جوزيف هولي الأستاذ "اليهودي الأميركي" المحاضر في الأدب الكلاسيكي والذي يؤيّد مقاطعة إسرائيل بأن "حالة الانزعاج" في أوساط الكادر الجامعي "بلغت مستويات غير مسبوقة".

وبعد تظاهرات متشنجة تواجه فيها الطرفان، علقت أنشطة جمعيتين للطلاب المؤيدين للفلسطينيين في نوفمبر/تشرين لانتهاكهما النظام العام، لا سيما خلال تجمع "تخلله خطاب مشحون بالتهديد والتخويف"، وفق إدارة الجامعة.

"إذا لم يكن في وسعنا انتقاد دولة تنفذ عمليات عسكرية غير شرعية على امتداد الحدود ضدّ مدنيين، نكون قد دخلنا في حقبة جديدة لخنق حرية التعبير".

ويكشف جاك هالبرستام الأستاذ المحاضر في اللغة الإنكليزية والدراسات حول النوع الاجتماعي بأنه لم يشهد يوما "جهودا كهذه للمساس بحرية التعبير" في جامعة كولومبيا ويرى أن صرامة الإدارة مردّها خشيتها من اتهامها بتأجيج معاداة السامية، فضلا عن ضغوط الجهات المانحة.

وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول أعربت لورا روزنبري، رئيسة برنارد كولدج، وهي جامعة للنساء تابعة لمؤسسة كولومبيا الجامعية، عن "الاستياء والحزن إزاء انتشار معاداة السامية ومعاداة الصهيونية" في الحرم، منددة في الوقت عينه بـ "خطاب معاد للفلسطينيين وللمسلمين"، لكن جاك هالبرستام يرى أن الالتباس بين "معاداة الصهيونية ومعاداة السامية" يجعل "النقاش شبه مستحيل".

ويضيف "إذا لم يكن في وسعنا انتقاد دولة تنفذ عمليات عسكرية غير شرعية على امتداد الحدود ضدّ مدنيين، نكون قد دخلنا في حقبة جديدة لخنق حرية التعبير".

وتؤكد ريبيكا كوبرين، المديرة المشاركة لمعهد إسرائيل والدراسات اليهودية في جامعة كولومبيا، ضرورة مراعاة مشاعر الطلاب اليهود المنزعجين و"المنهكين" من الأحداث، والذين يرون في شعارات من قبيل "من النهر إلى البحر تحريضا على العنف"، مدافعة في الوقت عينه عن حرية التعبير.

وفي أعقاب هجوم حماس، أثار نصّ لمجموعة الطلاب المؤيدة للفلسطينيين التي علقت نشاطاتها المعروفة بـ "Students for Justice in Palestine" وابلا من الانتقادات. وأشار النصّ إلى أن هجوم حماس هو بمثابة "حلقة تاريخية للفلسطينيين في غزة" و"هجمة مضادة من الفلسطينيين على المستعمر المستبد".

وإثر صدور هذا النصّ، تلقت إدارة الجامعة رسائل مفتوحة كثيرة من أساتذة وطلاب استنكر بعضهم التغافل عن "هجمات حماس الهمجية"، في حين هبّ آخرون للدفاع عن الطلاب المعنيين الذين نشرت أسماء البعض منهم وصورهم مرفقة بوسم "معاد للسامية".

ويؤكد جوزيف هولي إن "الخسائر في الأرواح وأعمال العنف في غزة كانت مأساوية ولا بدّ من أن تكون موضع تنديد"، لكن الأستاذ الذي ترعرع "وسط أجواء الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وما يعرف بحرب الولايات المتحدة على الإرهاب" لا يخفي قلقه من "الردّ السياسي الذي يستهدف مباشرة ويعيب نشطاء شباب لم يستخدموا الكلمات المناسبة".