حرب على النساء الصغيرات

إيران دولة دينية معلنة تستهدف النساء جهارا والعراق دولة دينية غير معلنة تدعي عدم استهداف النساء. ما مشكلة بلاد مثل مصر والأردن وسوريا وفلسطين؟

هناك مشكلة دينية مع المرأة في الدول العربية التي تسيطر فيها التنظيمات الدينية على المجتمع.

فمن غير اعلان الدولة الدينية يتم دفع النساء إلى الزوايا المظلمة كونهن يشكلن خطرا على الأخلاق.

نعم. المرأة تهدد أخلاق المجتمع. ذلك ما صار يُقال علنا ومن غير حياء أو شعور بالمسؤولية.

ذلك المجتمع لا يهدده خطر الفساد ولا القتل ولا اللصوصية ولا الخطف والاغتيالات السياسية ولا أنواع من الزواج هي أشبه بالبغاء ولا غياب القانون.

لا الفقر ولا الحرمان ولا التمييز ولا العزل ولا الكراهية ولا تقييد الحريات وتمييعها ولا البطالة تهدد ذلك المجتمع الخائف من المرأة.

لست هنا في مجال الجدل حول الحجاب الشرعي للمرأة فهو ليس قضية مهمة لمَن يملك عقلا مدنيا. ولكني أستغرب من مجتمعات صارت تقبل على تحجيب نسائها خوفا من عدوانية مبيتة يمكن أن تنطلق في أية لحظة.

من وجهة نظر دعاة التزمت الديني هناك حرب حقيقية على المرأة يمكن تجنبها عن طريق الحجاب. أهذا هو الحل المقبول والمعقول في دولة عرفت الديمقراطية قبل دول غربية عديدة مثل مصر؟

جزء ليس صغيرا من الشعب المصري دافع عن قاتل فتاة المنصورة متحججا بأن نيرة لم تكن محجبة وهو ما شجع القاتل على القيام بفعلته. أما كان علينا أن نشعر بالعار حين نستمع إلى هذيان مجانين لم يروا جريمة القتل بقدر ما ركزوا على "جريمة" الخروج على الحجاب؟

سيكون من حق العالم أن يستصغرنا بل ويحتقرنا لأننا نقدم الحجاب الشكلي على مضمون الحياة الإنسانية المقدسة.

ليست هناك لمسة من دين في الحجاب.

في العراق يتم فرض الحجاب على طالبات المدارس وهن في سن الطفولة. جريمة تنكر وزارة التربية وقوعها ويؤكدها الواقع. كل النساء الصغيرات هناك صرن محجبات. تلك دولة دينية لم يُعلن عن قيامها بعد.

يكذب عراقيو الحكم حين ينفون علاقتهم بذلك. وإذا ما كانوا لا يعرفون بما يحدث في بلادهم فذلك أسوأ. مشهد النساء الصغيرات متشحات بالسواد سيفضح مستوى الذل والمهانة الذي وصلوا إليه. صار العدوان على الطفولة جزءا من برنامجهم السياسي. أهذا ما حلموا به يوم كانوا معارضين؟    

المرأة مشكلة تتراجع أمامها كل المشكلات الكبرى التي تواجهها المجتمعات التي تحكمها تيارات دينية متشددة، حتى لو كانت الدول التي تؤطر وجود تلك المجتمعات مدنية. العراق نموذج شديد الوضوح في حربه على المرأة، لا في مرحلة نضوجها حسب، بل وأيضا منذ طفولتها. فهي اللغم الذي يجب اتخاذ الإجراءات لضمان عدم انفجاره في أية لحظة.

لذلك صارت المدارس تفرض الحجاب على طالباتها من غير أن تحتاج إلى أوامر حكومية. رجال الدين والأحزاب والميليشيات هي التي تقول الكلمة الفصل في ذلك البلد الضائع والحكومة لا تعترض.

إن اعترضت الحكومة فقد حكمت على نفسها بالنبذ بعد أن تحوم عليها شبهات الكفر والالحاد والعلمانية.

سياسيو الحكم في العراق يعتبرون إيران قدوة لهم. إيران التي قتلت شرطتها الدينية فتاة لأنها لم تلتزم بشروط الحجاب كاملة لم يجد نظامها السياسي حرجا بسبب ما حدث. لذلك يمكن اعتبارها قدوة سيئة ولا أعتقد أن أحدا يملك عقلا سليما بغض النظر عن جهة ولائه يتبع إيران في سلوكها المذعور الذي ينطوي على خوف من المرأة، هو نوع من التمييز الذي يتعارض مع حقوق الإنسان.

وإذا كانت إيران هي مشكلة العراق الضاغطة فإن دولا عربية عديدة لا تتعرض للضغط الديني صار تحجيب المرأة فيها عادة اجتماعية لا غنى عنها. وإذا لم تنتبه الأنظمة السياسية إلى تلك الظاهرة فإنها لن تتمكن في الاستمرار بمشاريع بناء الدولة المدنية.

حجاب المرأة هو دلالة على أن التيارات الدينية المتشددة التي تمت إزاحتها من الحكم قد انتصرت اجتماعيا. هناك اليوم مجتمع ينافق الأنظمة السياسية وهو مستعد للانقلاب عليها في أية لحظة تضعف فيها.

غفلت الأنظمة عن الدين المتشدد حين حاربت التيارات الدينية المتشددة سياسيا. تلك حرب فيها قدر هائل من الخطأ. لقد حارب الاسلامويون في مكان آخر بعد أن فشلوا في السيطرة على الحكم. مشهد المرأة في مصر وتونس وسوريا والأراضي الفلسطينية والأردن لا يُسر. الغالبية العظمى من النساء محجبات.

وليس من المستبعد أن يُفرض الحجاب في تلك الدول على النساء الصغيرات مثلما حدث في العراق.