حصار تعز بين الاستحقاقات الإنسانية والمكاسب السياسية

تخفيف الحصار عن تعز هو مشروع جمع اتاوات للحوثي.
ما دام الحوثيون متواجدين عسكريا في ست مديريات من تعز فإن المحافظة ستظل محاصرة
لا تنظر الأمم المتحدة لحصار تعز كملف إنساني خالص بل ورقة سياسية ضمن تعقيدات المشهد اليمني

توقفت معركة استكمال تحرير محافظة تعز، ضمن توقف معركة استعادة صنعاء وإسقاط الإنقلاب. لم يأخذ ملف حصار تعز حقه من الاهتمام، وتسليط الضوء عليه كملف إنساني بالدرجة الأولى، إلا في الآونة الأخيرة، كونه كان ضمن بنود الهدنة الأممية، التي بموجبها وبتنازلات من الشرعية فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، وما تبع ذلك من مكاسب اقتصادية وسياسية كبيرة للمليشيات الحوثية.

لا تنظر الأمم المتحدة لحصار تعز كملف إنساني خالص، بل ورقة سياسية ضمن تعقيدات المشهد العسكري والسياسي اليمني، ومن ثم فهي تراعي فيه موقف المليشيات الحوثية منه. كما أن تنازلات الشرعية السريعة، واستجابتها لمقترحات الأمم المتحدة، فيما يتعلق بمطار صنعاء وميناء الحديدة، شجع الأمم المتحدة على إرجاء ملف حصار تعز لجولة مفاوضات جديدة، ستفتح الباب للمليشيات الحوثية للتملص والمماطلة والتسويف، لتستمر معاناة ملايين المواطنين في مدينة تعاني ويلات الحرب والحصار منذ سبع سنوات.

قدم الوفد المفاوض باسم الشرعية مقترحات لفتح الطرق الرئيسة في تعز، التي تربطها ببقية المحافظات، لكن بالطبع سيرفض وفد المليشيات الحوثية تلكم المقترحات، وسيقدمون مقترحاتهم لفتح طرق أخرى، لتنقل ومرور المدنيين والبضائع، سيتخندق كل فريق وراء تصوره، عندئذ سيتدخل المبعوث الأممي، وسيقدم مقترحات بفتح طرق غير المقترحة من الطرفين، كطريق وادي غراب - الستين - مفرق الذكرة - وهو الأرجح، أو في أعلى درجات التفاؤل، طريق بير باشا - مفرق السمن والصابون - البرح - الحديدة عندئذ سيوافق وفد المليشيات الحوثية، وستعلن الأمم المتحدة عن تحقيق منجز كبير لها، بأنها تمكنت من جمع الطرفين وإقناعهم بفك الحصار، وعلى ضوء ذلك ستطلب تمديد الهدنة لفترة أخرى، وهو ما ستوافق عليه الشرعية، بينما سترفع المليشيات الحوثية من شروطها؛ لكسب المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية، التي ستتعامل معها الأمم المتحدة بجدية، وستأخذها بعين الاعتبار.

 بمجرد توقيع اتفاقية فتح الطرق، ستصبح الشرعية مقيدة بموقف وتصورات الأمم المتحدة، بينما الحوثيون سيفتحون باب التملص والمراوغة، بالنسبة للجان الميدانية، التي ستشرف على تنفيذ الاتفاق، وستختلق كثيرا من المبررات العبثية، الرامية من ورائها تأخير التنفيذ للاتفاق وإفراغه من مضمونه، كما أنه لن يكن هناك ما يمنع المليشيات الحوثية من اعتقال من تشاء، أو فرض أتاوات على المارين أو البضائع، ناهيك عن أن تعيد غلق الطرق والمنافذ تحت أي ذريعة متى شاءت.

في حسابات المجتمع الدولي والأمم المتحدة فتح طرق لمرور المدنيين، ولو كانت غير التي يطالب بها أبناء تعز، هو بمثابة إسقاط لمشروعية تحرير بقية مديريات المحافظة، وتمهيد للدخول في ترتيبات قادمة لتشكيل سلطة مشتركة مع المليشيات الحوثية، تبقي على التواجد العسكري للمليشيات الحوثية في المناطق التي تسيطر عليها، ما يجعل تعز مقسمة مقطعة الأوصال، ويجعل المدينة عرضة لاقتحامها في أي وقت.

طالما بقي التواجد العسكري للمليشيات الحوثية في ست مديريات من محافظة تعز، ومتحكمة في مداخل المدينة، التي تربطها ببقية المحافظات - وإن سمحت بعبور المدنيين منها - فإن تعز ستظل محاصرة، وتحت رحمة تلكم المليشيات، وستظل خانقة لها مستغلة حصارها كورقة ضغط سياسية واقتصادية، تمنحها المزيد من المكاسب على حساب معاناة ملايين المواطنين.