حكومة الوفاق تريد تسوية سياسية على مقاس الإسلاميين
طرابلس - شككت أوساط في جدية انخراط اسلاميي ليبيا في أي مبادرات سياسية اقليمية أو دولية لا تضمن لها البقاء في السلطة ومواصلة التحكم في ثروة الليبيين.
وتقلل هذه الأوساط من امكانية قبول الإسلاميين بأي تسوية في الوقت الراهن لا تتماشى مع مصالحهم بشكل مطلق خاصة مع استقوائهم بالتدخل العسكري التركي و انتشائهم بالتقدم الميداني في بعض جبهات القتال.
وتقول قيادة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر إن حكومة الوفاق ليست إلا واجهة سياسية لحكم الاسلاميين حيث يهيمن حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الاخوان على السلطة.
وقال وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا، المحسوب على الاسلاميين، إن“ مبادرات إنهاء الأزمة السياسية وتوحيد مؤسسات الدولة مرحب بها متى ضمنت سيادة ليبيا ومدنية السلطة التي تحتكم لإرادة الشعب وخضوع الجيش للسلطة المدنية".
ودفعت الخطوط الحمراء التي رسمتها موسكو على الأرض في سرت الميليشيات الاسلامية الى التلويح بقبولها تسوية سياسية واضعة نفس الشروط التي عرقلت المبادرات الأممية للتسوية السياسية في وقت سابق، في انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات التركية الروسية التي تعقد الأحد في اسطنبول بشأن ليبيا.
وتأتي تصريحات باشاغا في وقت أجلت فيه تركيا وروسيا محادثات بشأن تطورات الصراع في ليبيا، كانت مقررة اليوم الأحد في اسطنبول، حيث تسعى أنقرة الى انتزاع " توافق" مع موسكو، على غرار ما وقع في إدلب السورية، يسمح بمواصلة تقدم الميليشيات في سرت ومنها باتجاه الهلال النفطي مقابل "ضمانات" بالمحافظة على مصالحها كاملة في تلك المناطق.
وعرقلت طائرات مسيرة انطلقت من قاعدة الجفرة في سرت وتقول الولايات المتحدة إنها روسية ، سيطرة ميليشيات الوفاق على المدينة الاستراتيجية بعد أن أجبرتها على التراجع و كبدتها خسائر بشرية ومادية كبيرة.
ويقول خبراء عسكريون أنه لا يمكن لميليشيات الوفاق السيطرة على سرت قبل تنصيب مظلة للصواريخ المضادة للطيران تمتد إلى ما بعد سرت، تسمح للمشاة بالتقدم تحتها، تسبقهم قذائف المدفعية الثقيلة طويلة المدى لتسهيل مهمتهم.
ويتوقع هؤلاء أن تشهد المرحلة المقبلة تنافسا حول من يهيمن على سماء سرت، والذي ينتصر فيها سيحسم المعركة على الأرض، في وقت يتفوق فيه سلاح الجو الروسي على سلاح الجو التركي الذي تقدمت بواسطته الميليشيات على جبهات القتال الغربية.
وتأمل أنقرة في استمالة موسكو من أجل السماح لها بالتقدم نحو مدن الشرق عبر تقديم ضمانات، إذ أنها تعي جيدة أن أي مغامرة غير محسوبة في سرت تشرع لتوسيع روسيا تدخلها في ليبيا وهو ما لا يصب لصالح حكومة الوفاق.
وتؤكد مصادر سياسية أن الاسلاميين سيضطرون الى التفاوض على تسوية سياسية في حال التصدي للعبث التركي في البلاد وتطبيق القرار الأممي بحظر توريد الأسلحة، وهو ما تنتهكه أنقرة باستمرار وسط صمت دولي محيّر.
وسبق للإسلاميين أن رفضوا اتفاق أبوظبي الذي جرى بين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج والقائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر والذي ينص على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية قبل نهاية العام الماضي، إضافة لدخول الجيش إلى طرابلس.
كما سعى الإسلاميون لفرض تسوية على مقاسهم من خلال مؤتمر غدامس الذي تم إلغاؤه بعد إطلاق الجيش الليبي لعملية تحرير طرابلس من الميليشيات.
ومنذ بدء المعركة يردد الإسلاميون أنهم لن يقبلوا بالدخول في أي مفاوضات قبل عودة الجيش إلى مواقعه في الشرق وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 4 أبريل/ نيسان، وهي الشروط التي تطرح تساؤلات بشأن جدية الإسلاميين في إنهاء الانقسام وتعزز الاتهامات الموجهة إليهم بتقسيم البلاد بين شرق وغرب.
ويرى متابعون للشأن الليبي أن حماسة حكومة الوفاق للانخراط في دعوات التسوية السياسة التي أطلقتها الأمم المتحدة أو الدول الأوروبية في وقت سابق كان وليد الشعور بالعزلة والضعف في مواجهة تقدم الجيش الليبي ، أما مع وصول السلاح التركي إلى طرابلس يبدو أن الاستراتيجية تغيرت.
ويسعى الاسلاميون في ليبيا الى ضمان بقائهم في السلطة مع مواصلة احتكار ثروة الليبيين الذين أغدقوها على استجلاب السلاح والعتاد والمرتزقة السوريين وأن دعمهم لأي مبادرة سياسية لا تستجيب لهذه الشروط مرفوضة مسبقا رغم ايهامهم مرار بدعمهم للحلول السياسية.
وتحولت ثروات ليبيا الهائلة من نعمة إلى سلاح لاستدامة الفوضى وإطالة عمر الحرب، بعد أن استحوذت الميليشيات في طرابلس على منابعها وعائداتها ما سمح لها بتمويل أنشطتها واستدامة أمد استحواذها على السلطة بدل البحث عن حل سياسي يوقف نزيف الاقتتال، فيما يدفع الشعب الليبي ثمن مراهنة حكومة الوفاق على المجموعات الإرهابية وأمراء الحرب للبقاء في السلطة.
ومؤخرا تنامى زخم المبادرة المصرية " إعلان القاهرة" لتسوية الأزمة الليبية وحظيت بدعم عربي ودولي واسع إذ تضمن حلولا عادلة ومتساوية بين طرفي النزاع لوقف نزيف الاقتتال وحقن دماء الشعب الليبي، إلا أن الاسلاميين كما كان متوقعا أعلنوا رفضهم للمبادرة وعدم الانخراط فيها إذ أنها حسب رايهم لا تستجيب لشروطهم في المحافظة على البقاء في السلطة واحتكار الثروات.