تركيا أحبطت هجوما بأجهزة بيجر مفخخة على حزب الله العام الماضي
أنقرة/بيروت - وسط التصعيد الأمني والاستخباراتي في الشرق الأوسط، تبرز تركيا كخط دفاع متقدم في إحباط عمليات معقّدة كانت تستهدف الداخل اللبناني. فقد كشفت صحيفة "ديلي صباح" التركية، نقلاً عن مصادر أمنية، أن جهاز الاستخبارات التركي نجح العام الماضيفي إحباط هجوم عن بعد باستخدام أجهزة النداء "بيجر"، كانت معدّة للتفجير في لبنان. العملية، التي جرت في سبتمبر/أيلول الماضي، تؤكد مجدداً أن الساحة التركية تحوّلت إلى أرض خصبة لصراعات استخباراتية متشابكة، خصوصاً بين الموساد الإسرائيلي والأجهزة الأمنية التابعة لوكلاء إيران في المنطقة.
ووفق المعلومات، صادرت السلطات التركية شحنة ضخمة كانت تضم 1300 جهاز بيجر و710 شواحن مزودة بمواد متفجرة، جرى ضبطها في مطار إسطنبول أثناء نقلها من هونغ كونغ إلى بيروت. وأفاد مسؤول أمني تركي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن الشحنة كانت جزءاً من "مخطط تخريبي واسع النطاق"، لم يُكشف عن تفاصيله الكاملة بعد، لكنه يرتبط مباشرة بهجمات نُفّذت في لبنان وسوريا قبل أيام، وأسفرت عن مقتل العشرات، من بينهم عناصر وقيادات بارزة في حزب الله.
الشحنة كانت جزءاً من مخطط تخريبي واسع النطاق
المثير في القضية هو التوقيت والسياق. ففي 17 سبتمبر/ايلول، تعرّضت مواقع تابعة لحزب الله في لبنان وسوريا لسلسلة ضربات متزامنة، اتُّهمت إسرائيل بالوقوف خلفها، وهو ما أكدته مؤشرات عملياتية وتحليلات أمنية. ووفقاً لمسؤول العلاقات العامة في حزب الله، يوسف الزين، فإن الحزب أخطر الجانب التركي لاحقاً بوجود شحنة مشبوهة تضم أجهزة بيجر يُشتبه في استخدامها كوسائل تفجير عن بُعد. وبالفعل، تحرّكت الاستخبارات التركية وصادرت الأجهزة ودمرتها، حسبما ذكر الزين لوكالة "أسوشيتد برس".
وتُعد هذه الحادثة نموذجاً لما أصبح نمطاً متكرراً في السنوات الأخيرة: سعي جهاز الموساد الإسرائيلي لاستخدام أراضٍ ثالثة لتنفيذ أو دعم عمليات استهداف ضد وكلاء إيران، لا سيما حزب الله اللبناني. ويبدو أن إسرائيل تواصل تنفيذ عمليات استخباراتية عالية الدقة تستهدف القدرات اللوجستية والقيادية للحزب خارج نطاق المواجهة العسكرية التقليدية.
في المقابل، باتت تركيا واحدة من أبرز مسارح المواجهة غير المعلنة بين أجهزة استخبارات دولية. وبالرغم من تعقيد علاقاتها الإقليمية وتعدد خطوط تماسها الجيوسياسية، فقد لعبت أنقرة دوراً محورياً في إحباط محاولات تجسس، تهريب معدات حساسة، وعمليات اغتيال وتفجير محتملة. وتأتي عملية إحباط "هجوم البيجر" كإحدى العلامات البارزة على هذا الدور، خاصة أنها تكشف عن ثقة فصائل محسوبة على محور إيران بالأجهزة التركية، في خطوة نادرة ضمن لعبة التوازنات الدقيقة التي تمارسها أنقرة خاصة وان السلطات التركية كانت تصف حزب الله اللبناني بانه ميليشيا إرهابية بسبب تورطه في الحرب السورية.
وما لا يقل أهمية في هذه القضية هو ما كشفته من حجم الخروقات التي يعاني منها حزب الله، والذي لم يعد بمقدوره إخفاء حقيقة تعرضه لاختراقات استخباراتية متكررة ومؤلمة. استخدام تقنيات قد تبدو بدائية كالبيجر، لكنها فعّالة ومرتبطة بشبكات متفجرات دقيقة، يُعد مؤشراً على تطور نوعي في أدوات الحرب الاستخباراتية التي تُمارس ضد الحزب، والتي بدأت تستهدف كوادره وقياداته في مناطق كان يُفترض أنها آمنة.
ومن خلال هذه الضربة الوقائية، ساهمت تركيا بشكل غير مباشر في تقويض مخطط كان يمكن أن يُلحق أضراراً فادحة في البنية التنظيمية للحزب، ويزيد من تفككه الداخلي نتيجة النزيف المستمر لعناصره وقياداته. كما أكدت هذه العملية قدرة أنقرة على لعب دور أمني إقليمي فاعل يتجاوز حدودها، رغم تعقيدات الموقف التركي من قوى المحورين الإيراني والإسرائيلي.
وبينما تستمر المنطقة في التقلّب بين أزمات سياسية وعسكرية، يبدو أن المعركة الحقيقية تجري بصمت، في الظلال، بين أجهزة استخبارات تتنافس على المعلومة والهيمنة. ووسط كل ذلك، تثبت حادثة "هجوم البيجر" أن الحرب المقبلة قد لا تُخاض بالصواريخ وحدها، بل بأجهزة لا يتجاوز حجمها كف اليد، تحمل خلفها خرائط دم وحسابات دولية معقدة.