حكومة شرق ليبيا ترفض انحياز واشنطن للدبيبة في ملف النفط

أسامة حماد يصف تحذيرات المبعوث الأميركي ريتشارد نورلاند بخصوص التلويح بإغلاق النفط بالتدخل السافر ويدعوه إلى احترام سيادة القضاء.

طرابلس – لم يرُق للحكومة المكلفة من البرلمان دخول الولايات المتحدة على خط الصراع على إيرادات النفط في ليبيا، الذي عاد مجددا إلى الواجهة، في محاولة للدفع نحو إيجاد أرضية تفاهم بين الفرقاء الليبيين، حيث اعتبرته حكومة أسامة حماد انحيازا لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها داعية المبعوث الأميركي إلى احترام سيادة القضاء.

ووصف رئيس الحكومة التي يدعمها البرلمان الليبي مساء الجمعة تصريحات المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند بشأن التحذير من إغلاق النفط، بأنها "تدخل سافر في شؤون الدولة الليبية ومبنية على دعم طرف واحد مستفيد بإهدار أموال الشعب".

وأوضح حماد في تغريدة عبر حسابه على تويتر أنهم "عندما لوحوا بالراية الحمراء لإيقاف تدفق إيرادات العائدات النفطية، ووضعوها تحت الحراسة القضائية قصدهم بذلك أنه وفي حال عدم التزام المؤسسات المعنية في طرابلس بتنفيذ أحكام وقرارات القضاء للحفاظ على قوت الليبيين الذي وقع تحت تصرف حكومة منتهية الولاية تبدده بالمجان، فإنه ستكون لهم خطوات أخرى للحفاظ على أموال الدولة وكف أيدي العابثين".

ودعا حماد المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا إلى "احترام سيادة القضاء الليبي وعدم التدخل بالانحياز لأي طرف كان وعدم تغليب المصالح الخارجية على مصالح وحقوق الشعب الليبي".

وأوضح أن "الخطر الحقيقي ليس في إيقاف الإيرادات النفطية أو إيقاف تصديرها إنما الخطر هو سرقة وإهدار الأموال برعاية دولية".

كما دعا المبعوث الأميركي إلى "عدم تغليب المصالح الخارجية على مصالح وحقوق الشعب الليبي، وعدم إلقاء التصريحات الإعلامية دون معرفة ودراية بحقيقة الأمر".

وحثّ حماد "مجلسي النواب والدولة على الإسراع لاتخاذ الخطوات العملية للوصول للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتشكيل سلطة تنفيذية موحدة لإدارة شؤون البلاد ومواردها".

وكان المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا قد دعا الجمعة، الجهات السياسية في البلاد إلى تجنّب إغلاق المنشآت النفطية محذرا من تداعياته المدمّرة على الاقتصاد الليبي.

وبحسب بيان نشرته السفارة الأميركية في ليبيا، قال نورلاند "تدعو الولايات المتحدة الفاعلين السياسيين الليبيين إلى الابتعاد عن التهديد بإغلاق النفط، والذي من شأنه أن تكون له تداعيات مدمرة على الاقتصاد الليبي وستضر بكل الليبيين".

وحثَّ المبعوث الأميركي القادة الليبيين على تبني آلية شاملة لإدارة العائدات باعتبارها "طريقة بناءة لمعالجة المشاكل المتعلقة بتوزيع إيرادات النفط، وترسيخ الشفافية، من دون تقويض سلامة الاقتصاد الليبي أو حيادية المؤسسة الوطنية للنفط.

جاء ذلك ردا على تهديدات أطلقتها الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان، الأربعاء الماضي، بإيقاف إنتاج النفط وتصدير الخام، في حال عدم تمكين الحارس القضائي من مباشرة مهامه ومراقبة حسابات وأموال المؤسسة الوطنية للنفط.

وفي 24 يونيو الجاري، هددت الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي بوقف تصدير النفط عبر اللجوء للقضاء، وذلك على خلفية صراع على الإيرادات مع حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة.

وتواجه ليبيا أزمة سياسية منذ العام الماضي عندما رفض البرلمان تفويض حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس، وكلف بتشكيل حكومة جديدة لم تتمكن من تولي زمام الأمور في العاصمة، وتم مؤخرا الإطاحة برئيسها فتحي باشاغا، وتعيين أسامة حماد خلفا له.

وتتهم الحكومة المدعومة من البرلمان، حكومة الوحدة بالعاصمة طرابلس بإهدار المال العام وباستغلال عوائد النفط في شراء الولاءات بالداخل والخارج من أجل البقاء في السلطة، وتطالب بالحجز الإداري على أموال النفط المودعة بحسابات مؤسسة النفط والمصرف المركزي والمصرف الليبي الخارجي.

وقالت الحكومة المكلفة من البرلمان في بيان، إنها "استكملت إجراءات الحجز الإداري على إيرادات النفط لعام 2022 وما بعده، والتي تزيد عن 130 مليار دينار (نحو 27 مليار دولار) استنادًا إلى الإعلان الدستوري في مبدأ التوزيع العادل للثروة".

والحجز الإداري إجراء تقوم به الجهات الحكومية دون اللجوء إلى القضاء، وينفذ ضد أي شخص أو جهة بشكل مباشر وهو امتياز للسلطة العامة فقط.

وتعد مسألة التوزيع العادل لإيرادات النفط الليبي، إحدى الأزمات في البلاد، حيث تتنازع الحكومة المعينة من مجلس النواب مع حكومة الدبيبة في السيطرة على هذه الإيرادات.

والتقى حماد الاثنين الماضي رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة في بنغازي، حيث ناقشا ملف الإيرادات والعوائد النفطية وإنتاج وتصدير النفط، وفقا لبيان للحكومة.

وتناول الاجتماع "آليات تطبيق قرار مجلس النواب بخصوص توزيع الثروة الوطنية، لضمان حقوق المواطنين في العيش الكريم وتوفير الخِدْمات الأساسية والتعليم والصحة"، بحسب البيان.

وتستحوذ الحكومة المعينة من مجلس النواب على أكثر من 65 بالمئة من إنتاج ليبيا من النفط، وسيكون لأي حظر لتدفق النفط تأثيرات سلبية على الاقتصاد الليبي في ظل وضع معيشي مأزوم لا يحتمل أي أزمات جديدة.

ويشيع فرض الحصار على النفط في ليبيا منذ انتفاضة 2011 التي دعمها حلف شمال الأطلسي، والتي أدت إلى سنوات من الحرب والفوضى، إذ تقطع الجماعات المحلية والفصائل الرئيسية الإمدادات في إطار التكتيكات السياسية للضغط على الطرف المقابل.

وأنهي آخر حصار كبير قاده الجيش الليبي في العام الماضي عندما عينت حكومة طرابلس رئيسا جديدا للمؤسسة الوطنية للنفط قيل إنه مقرب من قائد الجيش المشير خليفة حفتر.

وترعى الأمم المتحدة حوارا اقتصاديا بين الليبيين، بهدف توحيد المؤسسات الاقتصادية المنقسمة وإيجاد خطة للتوزيع العادل لإيرادات النفط الذي تعتمد عليه البلاد بشكل كلي في نفقاتها.

وتركز الجهود الدبلوماسية الرامية إلى حل دائم للصراع في ليبيا على التحرك نحو انتخابات وطنية، وهو هدف تعلن جميع الأطراف تبنيه، لكنه تعرض لإحباطات متكررة بسبب خلافات حول قواعد الانتخابات والسيطرة المؤقتة على الحكومة.

وقال قائد الجيش في 17 يونيو الجاري إنه يؤيد خطوة من جانب برلمان الشرق لتعيين إدارة مؤقتة جديدة في تحد واضح لحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس.

وأصدرت محكمة في شرق ليبيا منذ نحو أسبوعين قرارا لصالح حكومة حماد في قضية ضد المؤسسة الوطنية للنفط وقضت بالسماح لها بالسيطرة على حسابات الشركة.

ويرى مراقبون أن عودة الصراع على عائدات النفط يعود إلى خشية بعض الأطراف وعلى رأسها مجلس النواب، من توظيف الدبيبة لتلك العائدات لأغراض انتخابية، حيث أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية يتطلع إلى المشاركة في الاستحقاق في حال جرى حسمه.

وكان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أعلن في وقت سابق من الشهر الجاري عن تشكيل لجنة لإعادة هيكلة توزيع الميزانية. وطالب صالح بأن "تودع النسبة الأولى في الحسابات المالية المفتوحة لدى مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، وتودع النسبة الثانية في الحسابات المالية المفتوحة لدى مصرف ليبيا المركزي في بنغازي، على أن تتم عملية الإيداع والتحويل باستقطاع هذه النسب مباشرة من إيرادات ومبيعات النفط والغاز ومشتقاته".

ووفقا للإعلان يترأس اللجنة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة بالإضافة إلى عضوية مندوبين اثنين من غرب وشرق البلاد عن فرعي المصرف المركزي وديوان المحاسبة والرقابة الإدارية.

وجاء الإعلان بعد تقدم رئيس لجنة الطاقة بمجلس النواب عيسى العريبي بطلب في جلسة للمجلس بوقف تدفق النفط، متهماً حكومة الوحدة في طرابلس بالتصرف في عائدات النفط، دون أن تستفيد مناطق البلاد الأخرى، ولاسيما شرق وجنوب ليبيا، على حد تعبيره.

ويرى مراقبون أن تحرك حكومة الشرق والبرلمان باتجاه إنهاء تصرف الدبيبة بعائدات النفط قد يولد هذه المرة انفجارا حيث أن الأخير من غير المنتظر أن يقبل بنزع إحدى أهم أوراقه وأسلحته في فرض نفسه الرقم الصعب في المعادلة القائمة.

وركزت نوبات الصراع السابقة في ليبيا والمناورات السياسية على السيطرة على عائدات الطاقة الكبيرة للبلد العضو في أوبك، إذ أنها المصدر الرئيسي لدخل الدولة.

وبموجب الاتفاقيات المعترف بها دوليا، فإن المؤسسة الوطنية للنفط هي المنتج والمصدر الشرعي الوحيد للنفط الليبي، ويجب أن تكون المبيعات من خلال مصرف ليبيا المركزي الذي شأنه شأن المؤسسة يتمركز في طرابلس.

وطوال فترة الصراع في ليبيا، تعمل المؤسسة في جميع أنحاء البلاد بغض النظر عن خطوط المواجهة ويواصل البنك المركزي دفع الرواتب، بما في ذلك رواتب العديد من مقاتلي الطرفين المتنافسين في جميع أنحاء البلاد.