حماية الديمقراطية من الانتخابات

استطلاعات الرأي ترجح سيطرة حزب الله وحلفائه على المجلس النيابي في ظل الانتحار السني والانقسام المسيحي والانزعاج الدرزي وهرج الحراك "التغييري" وتوالي العزوف عن الترشيح.
أسوأ من تأجيل الانتخابات إجراؤها وعودة المنظومة ذاتـها واكتسابها شرعية
إذا كان حزب الله يخوض الانتخابات كحرب 2006 فواجبنا أن نخوضها مثل ثورة الأرز في 2005

لا قيمة للديمقراطية على حساب الهوية الوطنية. ولا قيمة لأي انتخابات ديمقراطية إذا أدت إلى نشوء ديكتاتورية. ولا قيمة للاستحقاقات الدستورية إذا كانت تصب في الانقلاب على الدستور. وتاليا لا يجوز الخجل من منع استغلال النظام الديمقراطي وآلياته ضد سيادة لبنان واستقلاله وهويته اللبنانية الخاصة. كنا ديمقراطيين كفاية. في سياق هذا المنطق الوطني، نعتبر الانتخابات النيابية المقررة في 15 أيار/مايو المقبل جبهة نضال لاستعادة لبنان لا استحقاقا ديمقراطيا عاديا للاستيلاء على لبنان. إذا كان حزب الله يخوضها كحرب 2006، فواجبنا أن نخوضها كثورة 2005، ثورة الأرز.

من هنا، يجدر بالقوى الاستقلالية، أكانت في الأحزاب السيادية أو في مجموعات التغيير الوطنية، أن تنتصر في هذه الانتخابات للتعويض عن فشلها في "ثورة 17 تشرين". تبدأ ركائز فوز هذا "الثنائي الاستقلالي" بتشكيل لوائح مشتركة، بسحب فائض المرشحين الساقطين سلفا، بوضع برنامج سياسي/إصلاحي موحد، بدعوة الأمم المتحدة إلى مراقبة العملية الانتخابية، وبمناشدة الدول العربية الصديقة، وفي طليعتها السعودية، لوقف إضرابـها عن لبنان. خلاف ذلك يصعب على "الثنائي الاستقلالي" أن يكون على موعد مع النجاح في الانتخابات.

أسوأ من تأجيل الانتخابات إجراؤها وعودة المنظومة السياسية/العسكرية ذاتـها من خلال الآلية الديمقراطية، فتكتسب شرعية لم يوفرها لها كفاية المجلس الحالي. في هذه الحال، أن يتم التمديد للمجلس النيابي الحالي من دون انتخابات أفضل من أن يمدد له عبر انتخابات جديدة. وأصلا، قانون الانتخابات، بفذلكة اللائحة المقفلة والحاصل والصوت التفضيلي الواحد وتقسيم الدوائر، يتيح للقوى التقليدية (الحزبية والمناطقية) المشاركة والربح، ويجيز للقوى التجديدية المشاركة والخسارة. خلق هذا القانون طبقية انتخابية، إذ يوجد مرشحون درجة أولى وآخرون درجة ثانية. والطريف أن مرشحي الدرجة الثانية سعداء بدورهم أكثر من الأول، ويعتزون بأنهم تكملة عدد، ويشعرون أنهم يؤدون "خدمة إنسانية" لصاحب الصوت التفضيلي، "فالناس لبعضها". والدليل أن عدد المرشحين بلغ 1043 شخصا لـــ 128 مقعدا، أي أكثر من 8 مرشحين للمقعد الواحد.

كان الخطأ الأول الموافقة سنة 2017 على قانون الانتخابات الحالي، والخطأ الثاني عدم تعديله بعد بروز فجواته في انتخابات 2018، والخطأ الثالث إعطاء الأولوية لحصول انتخابات 2022 على وضع قانون انتخاب جديد يأخذ بالاعتبار الخريطة السياسية الجديدة بعد انتفاضة 2019 وما تلاها من انهيار اقتصادي وانكشاف أخلاقي. لكن غالبية القوى السياسية فضلت الانتصار على خصومها المحليين عوض الانتصار على خصومها وطنيا، فخدمت حزب الله وحلفاءه الذين سينتصرون على أخصامهم الوطنيين في غياب أخصامهم المحليين.

غالبية استطلاعات الرأي الجدية ترجح سيطرة حزب الله وحلفائه على المجلس الجديد في ظل الانتحار السني والانقسام المسيحي والانزعاج الدرزي وهرج الحراك "التغييري" وتوالي العزوف عن الترشيح. غريب أن تقاطع الانتخابات أطراف تؤمن بالديمقراطية والنظام والشراكة الوطنية، وتتهافت عليها أطراف تنقلب على النظام الديمقراطي اللبناني والطائف والحياة الميثاقية. وغريب أيضا أن تدرك القوى الاستقلالية خطورة المرحلة ورجحان كفة حزب الله، وتستمر في عرض نزواتها وتبادل الشروط وتعزيز تباعدها وتأليف لوائح متضادة. وغريب كذلك أن يعتكف قادة عن خوض الانتخابات ويـحثوا المواطنين بالمقابل على المشاركة فيها. إنهم مثل أجراس الكنائس تدعو الناس إلى حضور القداس وتبقى هي خارجا في قـبتها العالية.

هذا يعني أساسا: سيطرة حزب الله على الحكم والحكومات والتشريع مدة أربع سنوات، وتجديد عهد الرئيس ميشال عون ست سنوات جديدة برئيس آخر يحمل الخيارات السياسية والتحالفات الداخلية والإقليمية ذاتها. وهذا يعني استطرادا: سقوط خطة التعافي الاقتصادي والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، طي التحقيق في جريمة تفجير المرفأ، تجميد الإصلاحات وتبخر المساعدات لإنقاذ مالية لبنان واقتصاده، إطاحة تنفيذ القرارات الدولية، تحول مشروع تطوير النظام السياسي إلى مشروع تغيير النظام والهوية، والانتقال من مرحلة الانهيار إلى حالة الإفلاس. بتعبير آخر: يصبح لبنان أوكرانيا إيرانية وسورية بدون حرب. مثل هذا السيناريو يعرض لبنان لحرب أخرى تقترب حينا وتبتعد أحيانا، نتوقعها ونخشاها. واستحقاق الانتخابات الذي انتظره اللبنانيون فرصة إنقاذ يتحول موعدا جديدا مع الهلاك.

لذلك، بل رغم ذلك، جميع أركان القوى السياسية يتحضرون كأن الانتخابات حاصلة غدا، وجميعهم يتحسبون لتأجيلها. وما يعزز فرضية حصول الانتخابات أن الأطراف التي كانت متهمة بالعمل على تطييرها تشعر الآن بثقة الفوز بالأكثرية النيابية، ولم تعد تجاهد لإرجائها إلا إذا حدث طارئ ما. صحيح أن هذا الاستحقاق تجاوز "قطوعات" قانون الانتخابات، وتاريخ إجرائها، وتصويت المغتربين، والطعن في المجلس الدستوري والميغاسنتر، إنما لا تزال أمامه "حواجز طيارة" كثيرة على الطرق الداخلية والإقليمية. كل صباح نستيقظ على تطور تبلغ تردداته الأجواء اللبنانية. وكل مساء ننام على ضجيج الحقد والكراهية والشحن الطائفي.

إذا كان البعض يظن أن حرب أوكرانيا خففت من اهتمام المجتمع الدولي بلبنان، فالأصح أنها زادته لأن أرض المعركة بين الغرب وروسيا صارت دولية. لذا يصعب على الغرب أن يدع لبنان يسقط نهائيا، عبر الانتخابات، في محور الممانعة المدعوم روسيا، توازيا مع سقوط أوكرانيا في القبضة الروسية. هذا انتصار روسي، لا إيرانيا وسوريا وحسب، خصوصا أن لبنان لم يكن يوما في الجعبة الروسية. من هنا يبقى الاستحقاق الانتخابي في دائرة الخطر، وكذلك لبنان.