خصخصة الطب في العراق كارثة مركبة

كل شيء يذهب إلى تمادٍ في العراق. صناعة الصحة آخر أوجه هذا التمادي.
شبه غياب للخدمات الطبية الجيدة لدى المؤسسات الحكومية في العراق
هناك من باع بيته او سيارته ليسدد مصاريف عملية جراحية او علاج باهظ الثمن

في خضم انشغالنا بالحدث السياسي، تناسينا الكثير من الظواهر المهمة التي اخذت تتفاعل بيننا، ولعلنا لم نتوقف عند أي منها الاّ بعد ان نتعامل معها بشكل مباشر. خصخصة التعليم والسيولة المتمادية للمصارف الاهلية (الوهمية) والأسواق (المولات)، والانفلات غير المسيطر عليه في تجارة السيارات وغيرها الكثير من النشاطات التي يلعب الربح السريع دورا حاسما في استشرائها. وكل هذا يتزامن مع واقع سياسي عراقي مأزوم القى بظلاله الثقيلة على الواقع الاجتماعي فزاده تأزما.

الامر يدعو الى وقفة جادة لقراءة ما يحصل ومن ثم معالجة افرازاته التي ان استمرت ستكون مدمرة بحق للمجتمع وتحويله الى مجتمع من طبقتين، غنية جدا وفقيرة معدمة. من يتجول اليوم في بغداد سيلفت انتباهه كثرة الصيدليات والمختبرات الطبية التي تعمل بالتوازي مع عمل المجمعات الطبية الكبيرة الكثيرة جدا، والحديثة ببناياتها واجهزتها وكذلك المختبرات التي تعمل بشكل متواصل، ليس فقط لمعالجة امراض الناس، وانما ايضا لإفراغ جيوبهم العليلة أصلا. وهنا اتحدث عن الذين يمكّنهم وضعهم المادي نسبيا من العلاج على حسابهم الخاص او يضطرون لذلك، اما الذين لا قدرة لهم على ذلك، فهؤلاء يجدون انفسهم مضطرين للذهاب الى المؤسسات الطبية الحكومية.

قلنا ان الكارثة مركبة، وهذا يتأكد من خلال ما يلاحظه المواطن من شبه غياب للخدمات الطبية الجيدة في المؤسسات الحكومية، بالإضافة الى اضطراره لإجراء بعض الفحوصات المختبرية خارجها وكذلك شراء الادوية من السوق، ما يعني اننا اصبحنا امام كارتلات طبية تجد ان ديمومة عملها متوقف على عجز وضعف المؤسسات الحكومية، مثلما يحصل في التعليم الذي وصل مرحلة دفعت بالكثير من العوائل الى ارسال ابنائها الى المدارس الخاصة ومن ثم الى الكليات الاهلية، ما يعني اننا بلد اخذ يتخصخص بسرعة وفي قطاعات حيوية وحساسة جدا، وبالتزامن مع غياب الصناعة، المحرك الاساس للاقتصاد، وما افرزه هذا الغياب من بطالة وتفكك في حلقات التواصل الاقتصادي الذي لو تحقق لخفف كثيرا من تغوّل القطاع الخاص وتحكمه بالقطاعات الاساسية التي لها علاقة مباشرة بحياة الناس.

اتحدث هنا عن تجربة، واعرف حجم ما تنفقه العائلة من مدخولاتها لإنقاذ حياة احد ابنائها. هناك من باع بيته او سيارته ليسدد مصاريف عملية جراحية كبيرة او علاج باهظ الثمن لمرض مزمن، يجعل العائلة كلها مصابة بعوق اقتصادي ونفسي، هو احد اعراض المرض الاكبر الذي تعيشه البلاد بالتأكيد.