داعش الساحل يطبع مع السكان لترسيخ وجوده بعد ارتكاب المجازر

أسلوب حكم داعش يتطور لحماية السكان وممتلكاتهم بإنشاء نماذج سلطة أمنية مستوحاة من سيناريوهات التنظيم التي اعتمدها في سوريا والعراق عام 2014.

بوغادودو – أدرك تنظيم داعش أهمية السكان في الساحل الأفريقي لترسيخ أسلوب حكمه الذي لطالما اعتمد على العنف، وبدأ يعدل سياسته لتطبيع العلاقات مع السكان لضمان استدامته، مع تكثيف الهجمات في عدة دول لبسط نفوذه.
وينتشر مقاتلو داعش الساحل في المناطق الحدودية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وينشط التنظيم بشكل مكثف حاليا في بوركينا فاسو التي قتل فيها المئات من الجنود وآلاف المدنيين.

وكشف تقرير لموقع "أفريك 21" الفرنسي، عن الإستراتيجية التي يستخدمها داعش في مالي لترسيخ قوته ضد منافسه "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة". ففي البداية، اعتمد التنظيم على ظهور شعب يخضع لنظامه السياسي بعد المجازر. ويُستكمل هذا النظام بدوريات على الدراجات النارية في تيجيررت، وجلسات وعظية خلال السوق الأسبوعي.

وحسب معلومات عمل عليها فريق صحفي محلي، ونشرتها في مدونة "تينيري نيوز" الخاصة المستقلة أصبح التنظيم المتطرف لاعبا أساسيا في المنطقة، وبدأ في فرض أجندته وإخضاع خصومه بعد أن بات مسيطرا على مناطق واسعة شمال مالي، وبعد اجتياحه الكبير لمعظم المناطق الخارجة عن السلطة في بوركينافاسو.

وأشار التقرير الفرنسي إلى تطور أسلوب حكم التنظيم لحماية السكان وممتلكاتهم فيما أنشأ نماذج سلطة أمنية مستوحاة من سيناريوهات داعش التي اعتمدها في سوريا والعراق عام 2014.

ويختلف أسلوب داعش بين منطقة وأخرى حسب مدى سيطرته عليها، كما هو الفرق بين ميناكا ومنطقة أنسونغو-غاو بمالي؛ ففي الوقت الذي لا يزال التنظيم في مرحلة فرض نظامه يلجأ للعنف، كما يتضح من المجازر التي وقعت في بلدتي بارا وجابيرو، التي خلفت نحو مئة قتيل في يونيو 2023.

وبعد ارتكاب داعش عدة مجازر غير التنظيم من أسلوبه في التعامل مع السكان، حيث تتبع المرحلة الأمنية مرحلة إعادة تأهيل البنية التحتية وتحتضن عائلات المتشددين الذين هُدمت منازلهم، والأشخاص الذين بقوا في القرى التي سيطروا عليها وهم في الغالب أرامل المقاتلين.

كما أعاد التنظيم المسلح فتح الأسواق الأسبوعية لإنعاش الأنشطة الاقتصادية والمبادلات التجارية بين مدينة ميناكا والنيجر والمناطق الخاضعة لنفوذه إذ تسمح هذه الترتيبات التجارية للسكان بالحصول على الضروريات الأساسية. لكنها تسمح أيضًا بتزويد المجموعة بالموارد التي تحتاجها الغذاء والوقود والدراجات النارية والأسلحة.

ومن أجل دمج الفضاء التجاري للمناطق التي ينوي حكمها بشكل أفضل، أصدر التنظيم المتشدد تصاريح يبلغ سعرها 7500 فرنك أفريقي (11.40 يورو) للشخص الواحد، وبفضلها يمكن السفر من تيجريرت إلى منطقة تيليا بالنيجر. وهكذا يعيد التنظيم لصالحه التبادلات التجارية التي كانت سائدة قبل وجوده في المنطقة.

وقال كارس دي بروين، زميل باحث كبير رئيس برنامج الساحل في معهد كلينجينديل “إنهم ينشؤون خلايا ولديهم حضور كبير وهناك توسع كامل ووعظ منتظم”.

وبالإضافة إلى استمرار العمليات الإرهابية في مالي والنيجر، بدأ الخطر يتمدد إلى الدول الأطلسية، مثل بنين وتوغو وساحل العاج. فقد تعرَّض غرب بنين لاعتداءات متكررة من تنظيم داعش، كما تعرَّض شرقها لهجوم مماثل من "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم القاعدة. وتعرَّض شمال توغو لعمليات مماثلة أدت إلى حركة تهجير واسعة من بين السكان، بينما سُجِّل نشاط مماثل للجماعات الراديكالية في أوساط اللاجئين من بوركينا فاسو في كوت ديفوار.

وتنتشر الجماعات المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش منذ سنوات في الأراضي القاحلة الشاسعة جنوب الصحراء الكبرى، في منطقة الساحل إلى الدول الساحلية الأكثر ثراءً في غرب إفريقيا مثل بنين.

ويتركز نشاط الإرهابيين ببنين في شمال البلاد، حيث يحاولون تجنيد أشخاص أو جعلهم مخبرين، مما يخلق انقسامًا بين السكان المحليين.

وقال سكان بلدة صغيرة، تقع خلف تلال خضراء وطرق غير معبدة، إن المدنيين لم يعد بإمكانهم التحرك بحرية كما أنهم يُهَددون من يرفض الانضمام لهم.
 ويعيش السكان بمدينة الماطري في خوف دائم بسبب التهديد الإرهابي إذ يقوم عناصر الجماعات الإرهابية بزرع المتفجرات، وينفذون عمليات اختطاف في المنطقة، مما يبث الخوف بين السكان، ويؤدي إلى تآكل شرعية الدولة، حتى أن الحكومة فرضت حظر التجول والتجمعات.

وقد جرت هذه التحولات مع انسحاب القوات الفرنسية الموجودة في شمال مالي منذ عام 2013، والتي كانت تسيطر بالكامل على المواقع الحيوية في الشمال، إلا أن الحكومة العسكرية الجديدة في باماكو قررت إنهاء مهامها بذريعة إخفاقها في مواجهة الجماعات الإرهابية، والذي تم نهائياً في أغسطس 2022. وجرى الأمر نفسه في بوركينا فاسو التي أنهت حكومتها العسكرية تعاونها في محاربة الإرهاب مع فرنسا في فبراير 2023.
ولجأت الحكومة المالية إلى استبدال القوات الفرنسية بمجموعة فاغنر الروسية في مواجهة الجماعات الراديكالية، وحذت حذوها حكومة بوركينا فاسو وإن كانت استراتيجية الشراكة مع المجموعة الروسية مازالت غير واضحة المعالم.