دعاوى قضائية لحل البرلمان تعيد خلط أوراق كردستان العراق

المحكمة الاتحادية العليا خصصت 6 يوليو القادم لعقد أولى جلساتها للنظر في دعوى تطالب بإلغاء نتائج الانتخابات التشريعية في اقليم كردستان وإعادة تنظيمها.

بغداد - أعلنت المحكمة الاتحادية العليا في العراق عن تحديد موعد أولى جلساتها للنظر في دعوى قضائية تطالب بإلغاء نتائج الانتخابات التشريعية في اقليم كردستان وإعادة تنظيمها، الأمر الذي سيكون له تداعيات سلبية خطيرة على جميع الأصعدة، وسيتطلب جهودًا كبيرة من الأطراف السياسية في الإقليم وبغداد للتوصل إلى حلول توافقية تضمن استقرار الإقليم والعراق ككل.

 ويأتي قرار المحكمة استجابة للمطالبات السياسية بحل البرلمان الذي لم ينجح في تسمية هيئة رئاسية له، إثر الخلافات بين الحزبين الحاكمين، إلى جانب استرجاع الامتيازات المالية الممنوحة للنواب الحاليين، غير أن الخطوة تحمل معها تداعيات كبيرة، إذ سيخلق الإلغاء فراغًا تشريعيًا وحكوميًا، فإلغاء نتائج الانتخابات يعني عدم وجود برلمان جديد شرعي، مما يؤدي إلى تعطل العملية التشريعية وتشكيل الحكومة.

وسيتوقف تشكيل الحكومة الجديدة في الإقليم إلى أجل غير مسمى، مما يؤثر على إدارة الشؤون اليومية، وتلبية احتياجات المواطنين، وتنفيذ المشاريع التنموية.

تعقيدات الزمة ستسبب شعور أطراف سياسية أو مواطنين بالغبن أو الظلم، وقد تحدث احتجاجات واضطرابات، مما يهدد السلم الأهلي في الإقليم

وقال عمر كولپی، المرشح الفائز عن حركة العدل الاجتماعية في الدورة السادسة لبرلمان كردستان، في تصريح صحفي أن المحكمة الاتحادية العليا خصصت يوم 6 تموز/يوليو 2025 لعقد أولى جلساتها للنظر في الدعوى التي قُدمت مطلع الشهر الجاري.

وأوضح كولپي أن مضمون الشكوى يتضمن المطالبة بـ"إلغاء الدورة السادسة لبرلمان إقليم كردستان، وتكليف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بإجراء انتخابات جديدة في أقرب وقت، فضلاً عن استرجاع جميع الامتيازات المالية التي حصل عليها 97 نائباً خلال الأشهر الستة الماضية دون مزاولة أي عمل فعلي".

وبيّن أن النواب الذين أدوا اليمين القانونية منذ ستة أشهر لم يتمكنوا من مباشرة أعمالهم بسبب تعثر انتخاب هيئة رئاسة البرلمان، إلا أنهم استمروا بتقاضي رواتب شهرية بلغت 8 ملايين و200 ألف دينار لكل نائب.

ويرى متابعون أنه من المرجح أن تتخذ المحكمة الاتحادية في نهاية المطاف قرارا بحل البرلمان نظرا إلى أن المساعي لحل الأزمة السياسية وصلت إلى حائط مسدود، لكن في نفس الوقت فإن إلغاء الانتخابات سيساهم في زيادة حدة التوتر بين الأحزاب السياسية الكردية، وخاصة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، اللذين يمتلكان ثقلًا كبيرًا في الإقليم. وقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الانقسامات والخلافات حول مستقبل العملية السياسية.

وقد يؤدي تكرار إلغاء النتائج أو تأجيل الانتخابات إلى فقدان ثقة المواطنين في العملية الديمقراطية، وإحساسهم بأن أصواتهم لا تحدث فرقًا، مما قد ينعكس على نسبة المشاركة في أي انتخابات قادمة.

وذهب البعض الى القول بأن تعقيدات هذه الزمة ستسبب شعور أطراف سياسية أو مواطنين بالغبن أو الظلم، وقد تحدث احتجاجات واضطرابات، مما يهدد السلم الأهلي في الإقليم.

ولا يمكن استثناء العلاقة بين بغداد وأربيل من هذه القضية، فمن المرجح أن يؤدي قرار الإلغاء، إذا صدر عن المحكمة الاتحادية، إلى تفاقم الخلافات القائمة أصلاً بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، خاصة وأن الأخير يرى في بعض قرارات المحكمة الاتحادية تدخلاً في شؤونه الداخلية وانتهاكًا لدستور الإقليم. ما سيعقد حل القضايا العالقة بينهما مثل ملف النفط والموازنة والمناطق المتنازع عليها، وقد يؤخر التوصل إلى تفاهمات وحلول جذرية لهذه المشاكل.

وقد توجه أطراف كردية اتهامات إلى المحكمة الاتحادية بتسييس قراراتها والخضوع للضغوط السياسية من بغداد، مما يزيد من الشكوك حول حيادية القضاء.

وسينعكس القرار على أداء وموقف الأحزاب السياسية في الإقليم فالحزب الذي يعتبر نفسه متضررًا من الإلغاء قد يلجأ إلى تصعيد موقفه، بينما قد يرى الحزب الذي كان يطالب بالإلغاء في ذلك انتصارًا له. ما يعني إعادة تشكيل التحالفات بين الأحزاب السياسية، حيث قد تبحث الأطراف عن شركاء جدد أو تعيد تقييم علاقاتها القائمة.

وكانت قرارات المحكمة الاتحادية السابقة قد أثرت على مقاعد الكوتا المخصصة للمكونات في برلمان كردستان. وإلغاء النتائج قد يؤدي إلى إعادة النظر في آلية تمثيل هذه المكونات، وقد يثير مخاوفها بشأن حقوقها السياسية. وتفقد الأقليات ثقتها في النظام السياسي في الإقليم والعراق بشكل عام، إذا رأت أن حقوقها في التمثيل تتعرض للانتهاك أو التغيير المستمر.

ومن المؤكد أن الاستقرار السياسي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستقرار الاقتصادي. فعدم اليقين السياسي الذي سيخلقه إلغاء النتائج سيؤثر سلبًا على الاستثمارات، ويؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي في الإقليم.

وستتأخر المشاريع الحكومية والتنموية بسبب عدم وجود حكومة مستقرة وخطط واضحة. وتفاقم الأزمة المالية في الإقليم، لا سيما مع استمرار الخلافات حول حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية.

ويشهد إقليم كردستان أزمة سياسية مستمرة منذ الانتخابات الأخيرة، حيث تعثرت مفاوضات تشكيل الحكومة بين الحزبين الرئيسيين. بسبب تباين الرؤى حول تقاسم السلطة، وصلاحيات المناصب الرئيسية مثل رئاسة الإقليم والحكومة والبرلمان.

وكان الوفدان المفاوضان للحزبين الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، عقدا، في 21 مايو/أيار الجاري، اجتماعا مكملا لسلسلة لقاءات سابقة تهدف إلى تقريب وجهات النظر، والتوصل إلى تفاهمات سياسية، بشأن توزيع المناصب وتشكيل الكابينة الوزارية المقبلة في الإقليم.

وخلال الأشهر الخمسة الماضية، شهد الاقليم حراكا مكثفا بالمشاورات والاجتماعات بين الحزبين الحاكمين في الإقليم الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني، حول تشكيل الحكومة الجديدة، إذ يصر كل طرف منهما على الظفر برئاستي الإقليم ومجلس الوزراء، إلا أن الأيام الأخيرة الماضية شهدت تقاربا سياسيا بين الحزبين، لكن الوضع عاد للتأزم مع اختلاف وجهات النظر، ودخول قوى المعارضة طرفا في الصراع.

وأعلنت رئيس كتلة الجيل الجديد سروة عبد الواحد، في 8 مايو/أيار الجاري، رفع دعوى قضائية ضد رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، لدى المحكمة الاتحادية، وذلك لامتناعه عن حل برلمان الإقليم، وفشله في انتخاب هيئة رئاسة البرلمان ضمن المدة القانوني.

بدوره، أكد عضو حركة تفكري آزادي الكردية لقمان حسن، في 5 مايو/آيار الجاري، مساعي الحزبين الحاكمين لترحيل تشكيل حكومة الإقليم إلى ما بعد الانتخابات التشريعية في البلاد، من أجل تقاسم السلطة وفق الرؤية السياسية التي ستنتجها الانتخابات.

وجدد رئيس حراك الجيل الجديد شاسوار عبد الواحد، في 22 أبريل/نيسان الماضي، تهديده بحل برلمان كردستان، في حال عدم عقد الجلسة خلال الأسبوعين المقبلين.

وطبقا للنظام الداخلي لبرلمان الإقليم، يتعين على رئيس الإقليم، دعوة البرلمان المنتخب إلى عقد جلسته الأولى، خلال 10 أيام من المصادقة على نتائج الانتخابات، وإذا لم يدع الرئيس إلى عقد الجلسة الأولى، يحق للبرلمانيين عقدها في اليوم الحادي عشر للمصادقة على النتائج، فيما يترأس العضو الأكبر سنا جلسات البرلمان، قبل انتخاب الرئيس الدائم، بعد تأدية القسم الدستوري.