ديموقراطية الغابون وديموقراطية نظام المحاصصة

صناديق الاقتراع تنتج ديمقراطية خربة لو اشتغلت في بيئة سياسية مريضة.

صناديق الاقتراع ليست معيارا حقيقيا للديموقراطية في الكثير من البلدان، التي يتوجه الناخبين فيها الى صناديق الاقتراع بشكل دوري. فتعديل الفترة الزمنية للحكم من 4 الى 7 سنوات من قبل الحزب الحاكم أو زعيمه في بلد ما بتغيير فقرات دستورية، لا تمت للديموقراطية بصلة. والتعديلات الدستورية لزيادة الفترة الرئاسية من فترتين الى ثلاث أو أربع أو أكثر، تعتبر من الضربات القاسية لمفهوم الديموقراطية وممارستها. ووجود حزب أو حزبين فقط يتصارعان انتخابيا في بلد ما، هو الآخر بعيد عن المنافسة الديموقراطية، إذ من غير الممكن أن يكون حزبان فقط يمثلان جميع الطبقات الاجتماعية في بلد تعداد سكّانه مئات الملايين، والازدواجية في تقييم انقلاب على الشرعية في بلدان مختلفة تبعا لمواقف دول معينة تجاه أنظمة معينة، هي تحريف لمفهوم الديموقراطية معنى وممارسة.

لو لم تحتل الولايات المتحدة العراق وتغيّر نظام الحكم فيه، لكان النظام البعثي الفاشي لازال يحكم البلد، ولكان التوريث هو نمط نظام الحكم فيه. وهذا ما أثبته واقع المعارضة العراقية الضعيف والمتصارع والمتشرذم وولاءات أحزابه الخارجية، وهذا الأمر أي عدم استطاعة المعارضة العراقية من أسقاط نظام البعث الدموي، كانت تتحدث به أقطاب المعارضة ورجالاتها قبل الاحتلال، وبعضهم يقولها لليوم! وهذه السياسة أي سياسة التوريث نجحت في سوريا، وكانت في طريقها للنجاح في مصر وليبيا لحدود معيّنة، على الرغم من عدم ممارسة تلك الأنظمة لجرائم كبيرة كجرائم البعث العراقي تجاه شعبه وشعوب المنطقة.

الغابون الغنية بالنفط والعديد من المعادن، حكمها ثلاثة رؤساء أوّلهم الدكتاتور ليون مبا 1961 – 1967، ليخلفه بعد موته الرئيس عمر بونغو 1967 -2009، ليرث السلطة بعد 42 عاما من حكمه أبنه علي بونغو سنوات 2009 – 2023. الوريث وللتغيّرات الكبيرة في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وبضغط من فرنسا والغرب أعتمد النظام "الديموقراطي" ففاز في أوّل وثاني انتخابات بالبلاد وهذا أمر مفروغ منه في ديموقراطيات الموز إن جاز التعبير. وعلى الرغم من أصابته بجلطة دماغية قبل بضع سنوات الا أنه رشّح نفسه لولاية ثالثة جديدة وفاز بها. ولو ترك على بونغو حاكما للبلاد، لكان أبنه نورالدين بونغو رئيسا للبلاد بعد وفاته.

النظام "الديموقراطي" بالعراق لا يختلف كثيرا عن "ديموقراطية" الغابون. صحيح أن لا توريث شخصيا في الحكم الا في كردستان العراق، الا أننا نجد توريثا حزبيا. فديموقراطية الموز بالعراق، لا يترشح منها قادة منتخبون ديموقراطيا، كون الديموقراطية عندنا معلّبة وجاهزة للاستهلاك المحلي. فصناديق الاقتراع تفرز قادة شيعة وسنّة وكرد في كل دورة انتخابية، على الرغم من فشل هؤلاء القادة ومعهم أحزابهم في حل مشاكل البلاد. بل ولنكن منصفين في وصفنا، فأنّهم السبب الرئيس في تعميق مشاكل البلاد.

عشرات الدورات الانتخابية المحليّة والبرلمانية منها والرئاسية عند وجود ضرورة عند زعماء المحاصصة لأجرائها مستقبلا، لا تنتج نظام حكم وطني يأخذ على عاتقه بناء عراق جديد. ولأننا جرّبنا حكم العسكر لعقود طويلة، وكانت نتائجها كارثية على مستقبل شعبنا ووطننا، فعلينا أن نرفض تجربة الغابون وغيرها من البلدان في انقلاباتهم العسكرية لتغيير شكل السلطة. فنحن بالعراق اليوم لسنا بحاجة لإصلاح أو تغيير شكل السلطة، التي فشلت الانتخابات السابقة والقادمة في تغييرها، بل نحن بحاجة الى تغيير شكل النظام السياسي بالبلاد، وهذا التغيير بحاجة الى حراك جماهيري واسع على غرار انتفاضة تشرين، والى قوى سياسية جماهيرية نابعة من رحم المعاناة لتتقدم جماهير شعبنا المكتوية بسياسات المحاصصة التي نهبت البلاد والعباد. الجماهير اليوم يائسة تقريبا من تحسّن أوضاعها وأوضاع البلد، لذا نرى غالبيتها لا تفّكر الّا بلقمة عيشها، لكن احساسها بالظلم والتهميش موجود في دواخلها، وعلى القوى الديموقراطية بالبلاد أن تصطف الى جانب شعبها وتبتعد عن المناكفات فيما بينها، لتعمّق هذا الاحساس عند الناس وتدفهم للانفجار في وجه منظومة الفساد.

تستطيع العربة الخربة أن تسير أذا وضعت في أعلى طريق منحدر (مثل روسي).

استطاعت عربة المحاصصة أن تدمّر كل ما هو أمامها، فلنعمل على أن لا تستمر بالصعود لتصل الى أعلى المنحدر، لأنّ حينها يكون العراق أثرا بعد عين.