ذكريات على شواطئ القصيدة مع يوسف عزالدين عيسى

مسألة تكوين جماعة باسم أصدقاء أو محبي الأديب الكبير تبقى مطروحة على طاولة احتفالنا الدائم به سواء في ذكرى رحيله أو ذكرى ميلاده.

عندما قررتْ أسرة تحرير مجلة "الكلمة المعاصرة"، أن تنشر ملفات كاملة عن كبار مبدعي إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي الذي يضم خمس محافظات (الإسكندرية، ومرسى مطروح، والبحيرة، والغربية، والمنوفية) كان اسم أديبنا الكبير د. يوسف عزالدين عيسى أقوى الأسماء المطروحة لنبدأ بها مشروعنا الأدبي والثقافي في المجلة.

وسرعان ما تحمست أسرة التحرير برئاسة د. محمد زكريا عناني ونائبه د. السعيد الورقي، وفريق العمل المكوَّن من: د. فوزي خضر، وشوقي بدر يوسف، وجابر بسيوني، وأنا ـ وكنت مدير التحرير التنفيذي للمجلة ـ والسيدة عواطف عبود، وأ. محمود عوضين. سرعان ما تحمسنا لإعداد هذا الملف، فاسم د. يوسف عزالدين عيسى ـ في حد ذاته ـ وسام شرف لمن يعمل تحت مظلته، أو في معيته.

وقمنا بعدة زيارات مكوكية لمنزل الأسرة في رشدي بالإسكندرية، والتقينا بزوجته الفاضلة، وابنته الوفية فاتن عزالدين عيسى، وابنه البار د. أيمن، لجمع بعض مواد الملف.

وفي هذه الجلسة اقترحنا تأسيس جمعية أو جماعة أدبية باسم جمعية أو جماعة أصدقاء أو محبي د. يوسف عزالدين عيسى، ولم أدر بعد مرور سنوات عدة على الرحيل ما آلت إليه فكرة تكوين تلك الجمعية أو الجماعة.

التقينا أيضا بالعديد من الأصدقاء الأوفياء للراحل الكبير من الأدباء والفنانين، وصارت لدينا مادة أدبية ونقدية وإبداعية غزيرة لعمل الملف الذي اتفقنا على أن يكون عنوانه "الدكتور يوسف عزالدين عيسى: الأديبُ عالِما".

وقام د. محمد زكي العشماوي في هذا الملف (الذي وقع في ثلاث وستين صفحة) بنقد كتاب "ليلة العاصفة"، وتحدث د. محمد زكريا عناني عن الفن الروائي عند يوسف عزالدين عيسى، وقدَّم قراءة في الشكل والمضمون، وتحدث د. عبد الحميد يونس عن التكامل بين الإبداع الفني والتجربة العلمية عند د. يوسف عزالدين عيسى، وأجرى محمد الجمل حوارا مطولا مع أديبنا الكبير قبل رحيله، وكتب مهدي بندق عن مواجهة الشر الكوني في روايات د. يوسف عزالدين عيسى، وقدم سعيد سالم قراءة تأملية في رواية "الواجهة"، وتحدث د. السعيد الورقي عن "الرجل الذي باع رأسَه"، وتحدثت إيمان عبدالفتاح عن عبقرية الفكر الروائي في أعمال الراحل. وختمت  المجلة الملف بمقال مهم للدكتور يوسف عزالدين عيسى عن مستقبل الثقافة في مصر.

وأعتقد أن أعمالَ الراحل الكبير، وجوانبَ كثيرة من شخصيته الفذة مازالت في حاجة إلى التوقف عندها مرات ومرات، حتى نضيءَ بعض جوانب عبقريتها، ونكشفَ بعضَ أسرارها الخالدة.

                                                                                ***

كنتُ من أكثر الأدباء فرحا عندما أخبرني الأستاذ محمد غنيم وقت أن كان رئيسا للهيئة العامة لقصور الثقافة أنه سيُطلق اسم د. يوسف عزالدين عيسى على قاعة نادي الأدب بمركز الإسكندرية للإبداع، وهو النادي الذي شهد خطوات الأجيال المتتالية من مبدعي الإسكندرية منذ الستينيات. وشهد أيضا العديد من لقاءات د. يوسف عزالدين عيسى معهم. وبالفعل سُميت القاعة باسمه كنوع من الاعتراف بفضل هذا العالِم الجليل على الحياة الأدبية والثقافية، ليس في الإسكندرية وحدَها، ولكن في مصرَ كلِّها.

ولعلي أستطيع أن أطالب بوضع لوحة البورتريه المرسوم للراحل الكبير لتكون أمام قاعة نادي الأدب التي سميت باسمه، بدلا من وضعها الحالي أمام نادي السينما بالمركز.

                                                                              ***

عندما توطَّدت العلاقة مع الدكتور يوسف عزالدين عيسى ـ مع مطلع الثمانينيات ـ كنت أعمل محررا أدبيا ومراسلا صحفيا لجريدة الجزيرة السعودية. وفي صباح يوم مشمس من أيام شتاء الإسكندرية الدافئ قابلته في حديقة فندق البوريفاج بلوران، وأردت أن أجري معه حوارا صحفيا للجريدة، وبعد أن التقطتُ له أكثر من صورة، جلسنا نتحدث عن الدراما الإذاعية بصفته رائدا لها، لكنه لم يشأ أن يكون مدار الحديث عن ريادته لهذا النوع من الدراما، وفضَّل أن يكون الحوار حول أعماله الأدبية المنشورة من روايات وقصص ومسرحيات وأشعار ومقالات فكرية، ودلَّني على كيفية الحصول على تلك الأعمال لقراءتها ثم أُجري معه الحوار حولها. وقد كان.

                                                                              ***

كانت هناك إشكالية اكتشفتها في أرشيف جريدة الجزيرة عندما ذهبت للعمل بالرياض، وهي الخلط بين صورة د. يوسف عزالدين عيسى، وصورة د. يوسف عزالدين الشاعر والناقد العراقي المعروف، وكان يعمل وقتها بالرياض أيضا. أحيانا كان يكتب يوسف عزالدين العراقي في الجريدة وتوضع إلى جوار اسمه صورة د. يوسف عزالدين عيسى. وأحيانا يكون هناك خبر عن الأخير فتوضع إلى جانب الخبر صورة الأول، فاضطررت إلى كتابة إشارة تصحيحية نشرت بالجريدة بعنوان "كلاهما يوسف عزالدين ولكن .."، وتم تصحيح الوضع بأرشيف الجريدة بالفعل.

                                                                             ***

ذكريات كثيرة لا تنتهي مع الراحل الكبير منذ أن تعرفت عليه وحتى لحظات رحيله.

وتبقى مسألة تكوين جماعة باسم أصدقاء أو محبي د. يوسف عزالدين عيسى مطروحة على طاولة احتفالنا الدائم به سواء في ذكرى رحيله أو ذكرى ميلاده أو الحديث عن أحد مؤلفاته وإبداعاته الدارمية والأدبية.