ذوات الأصفار التسعة

لا أحد يرفض أن يكون من ذوي الأصفار، لكن ليس بفكرة الغريزة الفاقدة للقيم.

يبسط زوج قنوع فكرة المال أمام زوجته، لأنه ببساطة أيضا يعيش حياة طبيعية، الزوجان يعملان وتتوفر لأولادهما المستلزمات الضرورية في الحياة، لديهم منزل معقول ويستمران بدفع قروض المنزل وسط حسابات الطبقة المتوسطة في لندن.

يقول الزوج، بينما تنصت الزوجة معبرة عن اقتناعها، “لنفترض أننا ربحنا بطاقة اليانصيب وحصلنا على مليون دولار، هذا المبلغ يكفي ليسدد ثمن دار لأسرة مكونة من 5 أفراد كأسرتنا، وبعدها ماذا سيحصل؟”.

تقول الزوجة: لا شيء! سنعيش حياتنا الطبيعية فنحن لن نكون من أصحاب الأموال المتزايدة، أن تمتلك منزلا ثمنه مليون دولار لا يعني أنك ستنضم لنادي ذوات الأصفار التسعة، لأنك ستستمر بالعمل من أجل إدامة حياة أسرتك. الزوج القنوع كان يريد إراحة ذهن زوجته من الشغف الأسبوعي بقطع بطاقات اليانصيب، لكن فكرته المتواضعة والتي تنم عن رباطة جأش وتحكم بالغرائز، ليست مقنعة للجميع.

عرفت شخصا كان يسحب أسبوعيا أكثر من عشر بطاقات يانصيب على أمل الفوز بجائزة مليونية، مع أنه لم يكن فقيرا ويمتلك شركة إعلامية، يعيش حياة أعلى من الطبيعية مع أسرته، لم يكن من الأثرياء، لكنه لا يحسب على ذوي الدخل المحدود أيضا، وكان يعيش أعلى من حياة الطبقة المتوسطة.

في ما بعد نزلت عليه الأموال بقدرة سياسية كما نزلت على رجال الدين والسياسيين في العراق بعد احتلاله من قبل القوات الأميركية عام 2003، ولم يعد يفكر ببطاقات اليانصيب مطلقا، والأرقام بالنسبة إليه صارت من ذوات الأصفار الستة، لم تصل بعد إلى الأصفار التسعة! بحكم شركته التي تقدم الخدمات الإعلامية مدفوعة الثمن للسياسيين، كل شيء تغير فيه ولا يريد استعادة الماضي والكلام بشأنه.

عرضت عليه بالمصادفة قصة تناولتها الصحف البريطانية عن شاب لم يبلغ العشرين أنشأ موقعا إعلانيا على الإنترنت، يستأجر مساحة صغيرة للمعلنين بمبلغ خمسة دولارات، كان محظوظا هذا الشاب ونجحت الفكرة بشكل رائع وتزاحم المعلنون على موقعه، حتى جمع مليون دولار وهو لم يبلغ العشرين من عمره.

قال صاحبي وهو الإعلامي البارع والداخل جديدا إلى عالم الثراء، لا أهمية لهذا الخبر، قلت له كيف؟ قال لأن مبلغ المليون دولار لم يعد ذا شأن بتغيير أحوال الناس.

إنها فكرة التسميات المرتبطة بالثراء، فالغني ليس من يمتلك المليون وعشراته، بل من يحسب على أصحاب المليارات! يا للفكرة المربكة.

في وجود نحو 2200 ملياردير هذا العام في العالم وفق صحيفة فايننشيال تايمز، فإن هذا النادي لم يعد حصريا مثلما اعتاد أن يكون عليه. نادي المليارديرات المتسم بضآلة العضوية طوال القرن الماضي، يجابه الآن شيئا من التقلب السريع في دخول الأشخاص إليه وخروجهم منه.

بالأمس تصدر رجل الأعمال جيم راتكليف الذي كان في السابق يعيش في سكن تقدمه الحكومة كإعانة، قائمة أغنى الشخصيات في المملكة المتحدة بثروة تقدر بنحو 21.05 مليار جنيه إسترليني.  لا أحد يرفض أن يكون من ذوي الأصفار، لكن ليس بفكرة الغريزة الفاقدة للقيم.