رئيس هو قناع ليس إلا

كان الجحيم الذي وعد به الرئيس ميشال عون قد استقر في لبنان ولن يغادره بانقضاء عهد الرئيس عون. الرئيس القادم سيكون خطأ لن يتمكن اللبنانيون من تصحيحه.

بعد نهاية كل عهد رئاسي يعود لبنان إلى سابق عهده، دولة عاجزة عن اختيار رئيس جديد لها. أتلك واحدة من صفات الدولة الفاشلة التي تديرها طبقة سياسية لا هم لها سوى الاستفراد بالسلطة وإدارة مصالحها الحزبية والاستحواذ على أكبر كمية من الثروات الوطنية؟

يعرف اللبنانيون ما جرى تداوله عالميا عن فساد تلك الطبقة السياسية التي تخضع دولتهم لشروطها. وهو ما لا يحدث اليوم إلا في دول قليلة في العالم، حيث تخضع الدولة للطبقة السياسية وليس العكس وحيث يخدم الشعب السياسيين وليس العكس. كل شيء يجري بالمقلوب وهو ما صار عرفا يمكن أن يتسلل إلى الدستور.

يوما ما في الماضي كان لبنان دولة ديمقراطية، يتمتع الناس فيها بالحرية والمواطنة المشروطة بالمحاصصة الطائفية. ما تبقى اليوم من ذلك الماضي ليس سوى هيكل هزيل اسمه مجلس النواب الذي تُتخذ قراراته تحت الطاولة وفي كواليس الأحزاب ولا يمثل الشعب سوى شاهد تأتيه الأخبار إلى بيته من غير أن يساهم في صناعتها ويكون قيما عليها.

الطبقة السياسية في مكان والشعب اللبناني في مكان آخر. ذلك ما تم تكريسه مع الوقت. تلك الظاهرة ليست جديدة، عمرها من عمر لبنان الطائفي غير أن سياسيي الماضي لم يكونوا معزولين وكانت حصانتهم مستلهمة من أفكارهم الوطنية وأدائهم الخدمي ولم يكونوا فاسدين بما يلحق الضرر بالشعب ومصالحه. بشكل محدد لم يكونوا لصوصا كما هو حال سياسيي اليوم الذين صاروا يختبئون وراء حصانتهم مستقوين بالحزب والطائفة وعلاقاتهم الخارجية. في الماضي كانت هناك طبقة سياسية تتوارث المناصب في ظل حرص شديد على سمعة العائلة والطائفة.

اليوم لم يبق شيء من كل ذلك.

فالطبقة السياسية الحاكمة على سبيل المثال لم يهتز كيانها حين وقع انفجار مرفأ بيروت الذي يمكن اعتباره مدبرا والذي أدى إلى تدمير نصف بيروت التاريخية وإزهاق مئات الأرواح. لقد وصف السيد حسن نصرالله وهو زعيم كتلة نيابية كبيرة الانفجار بأنه مجرد حادث. وحين مُنع القضاء من أداء دوره في التحقيق مع مَن وقعت عليهم الشبهات بالمسؤولية عن ذلك الانفجار من قبل حزب الله فإن أحدا من أفراد الطبقة السياسية لم يعترض على تجريد القضاء من استقلاله.  

لقد تم تجريد الدولة كلها من سيادتها واستقلالها ونُزعت هيبتها لذلك فإن حدثا مثل إزاحة قاض من منصبه لأنه أصر على الإجابة على أسئلة اللبنانيين الملتاعة والغاصة بالألم لم يكن ليحرك شيئا لدى سياسيين، صار كل همهم أن يحافظوا على امتيازاتهم الشخصية التي يعرفون جيدا أن الشعب المحروم ينظر إليها بغضب ويعتبرها إعلانا عن الفساد الذي لم يستثن أحدا من سياسيي اليوم من سمومه التي أدخلت الاقتصاد اللبناني في حقبة سوداء يشك الخبراء في إمكانية الخروج منها.

كان الجحيم الذي وعد به الرئيس ميشال عون قد استقر في لبنان ولن يغادره بانقضاء عهد الرئيس عون. لن يتمكن رئيس جديد من أن يغير مزاج اللبنانيين المتشائم ويضفي عليه صبغة وردية. لا لأن الطائفة المارونية التي تنتج الرؤساء تفتقر إلى شخصيات حكيمة ومتزنة ومستقلة مؤهلة للوصول إلى قصر بعبدا، بل لأن الرئيس المطلوب ينبغي أن يكون مختوما بموافقة إيران من خلال ممثلها الذي هو حزب الله. ذلك الرئيس قد لا يكون نسخة من الرئيس عون، بل هو أسوأ بكثير.

ولأن السياسيين اللبنانيين لا يحترمون الشعب اللبناني ولا يجدون سببا لكي يكاشفوه بالحقيقة فإن حقيقة فشلهم في اختيار رئيس جديد للبلاد ستظل سرا أو لغزا. فإذا كان ميشال عون قد انهى عهده بترسيم الحدود مع إسرائيل وهو نوع من الاعتراف بالدولة العبرية تم باشراف إيراني فما الذي سيقوم به الرئيس القادم في عهده ويكون ضمن المسار التطبيعي مع إسرائيل؟ ولأن حزب الله أداة إيرانية فإن الشخص الذي سيتوجه رئيسا للبنان لابد أن يكون دمية هو الآخر لتنفيذ الإملاءات الإيرانية.

وليس مهما أن يستمر لبنان دولة فاشلة وأن تستمر أوضاع مواطنيه المعيشية بالتدهور وأن لا يكون هناك معنى للعملة المحلية ما دام حزب الله قد حصن نفسه وما دامت الطبقة السياسية محصنة ضد أخطائها ولن يحاسبها أحد أو تتعرض للمساءلة مهما كان حجم الكارثة التي نتجت عن أفعالها.

الرئيس القادم سيكون خطأ لن يتمكن اللبنانيون من تصحيحه.