روسيا تفتح أبوابها للاستثمارات الخليجية لاحتواء أثر العقوبات الغربية
أبوظبي - تعمل روسيا المحاصرة بعقوبات غربية مؤثرة على خلفية غزوها لأوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، على إيجاد بدائل لاحتواء أثر تلك العقوبات، فعززت توجها نحو الصين والهند ووطدت علاقاتها مع إيران اقتصاديا وعسكريا، لكنها أيضا ولت وجهها صوب دول الخليج على أمل استقطاب استثمارات تساعدها في التنفيس عن أزمتها
والتزمت دول الخليج خاصة النفطية منها والشريكة في تحالف أوبك بلاس النفطي، الحياد حيال الحرب الروسية في أوكرانيا، فلم تنخرط في العقوبات على روسيا وفي الوقت ذاته دعت إلى إنهاء الحرب والاحتكام للحوار وتبذل السعودية والإمارات جهود لدفع طرفي الأزمة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات.
ويقود الروس حملة مكثّفة لاستقطاب استثمارات من دول الخليج الثريّة إلى بلادهم التي يعاني اقتصادها من عقوبات غربية قاسية وانسحاب شركات أجنبية كبرى على خلفية الحرب في أوكرانيا.
وفي ملتقى الاستثمار السنوي الذي عُقد هذا الأسبوع في أبوظبي، عرضت الحكومة الروسية فرص الاستثمار في السوق الروسية في منتدَيين وجناح خاص لجمع شركات روسية بمستثمرين، مشدّدة على أن الاقتصاد الروسي بخير رغم تداعيات الحرب.
وقال مدير برنامج التعاون الثنائي بالإنابة في وزارة التنمية الاقتصادية الروسية بافيل كلاميتشيك "إننا هنا لجذب مستثمرين أيا كانوا ومن بينهم العرب".
وتدفّق أثرياء روس إلى الإمارات وتركيا خلال السنتين الماضيتين وأسسوا أعمالا واشتروا عقارات هربا من العقوبات المفروضة على بلدهم.
ومنذ غزوها لأوكرانيا في فبراير/شباط 2021، تخضع روسيا لعقوبات شديدة ومتزايدة تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاؤهما وتستهدف شخصيات سياسية والصناعة والمصارف والقطاع النفطي.
وأعادت موسكو توجيه علاقاتها التجارية من الغرب إلى الشرق، خصوصا مع زيادة مستوى صادرتها النفطية إلى الصين والهند، بهدف تقليص تأثير العقوبات.
وأكد وزير التنمية الاقتصادية الروسي ماكسيم ريشيتنيكوف أن التعاون مع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو "أحد أولويات السياسة الاقتصادية الخارجية لروسيا" التي صدرت في مارس (اذار) الماضي.
واعتبر في كلمة ألقاها خلال منتدى روسيا - الشرق الأوسط "أنه الوقت المناسب لتطوير مشاريع مشتركة عبر اغتنام الفرص الجديدة التي تُفتح"، داعيا إلى إقامة "نظام مالي ومصرفي مستقلّ" عن الدول الغربية لتسهيل المعاملات المالية والالتفاف على العقوبات.
وفي "قاعة الفرص"، حيث كُتبت كلمة "موسكو" بالإنكليزية على شاشة كبيرة، عرض ممثلون عن السلطات الروسية إمكانات العاصمة "كواحدة من أكبر الاقتصادات الحضرية في العالم والأكبر في روسيا" وكوجهة للاستثمار.
وقال وزير حكومة العاصمة سيرغي شيريمين "حتى في هذه الأوقات غير السهلة التي نخضع خلالها للعقوبات، لا تزال موسكو رائدة"، مشيرا إلى بنيتها التحتية والى النقل والتكنولوجيا والصناعة والسياحة وغيرها، مضيفا "بالنسبة للمستثمرين الأجانب، تقدّم موسكو عددا من المزايا التنافسية... هي نقطة الدخول إلى سوق روسيا".
وطغى اللون الأبيض على جناح موسكو الذي زُيّن بشتول وتوسّطته طاولة خشبية عالية قدّمت عليها حلويات روسية وعربية وقهوة للزوار.
وعلى أحد أطراف الجناح كان ماكسيم أنيسموف، أحد مؤسسَي شركة ناشئة، يشرح أهمية آلة طباعة ثلاثية الأبعاد مصمّمة ومصنّعة في روسيا، معروضة في المكان. وقال "نحن هنا لاستقطاب شركاء عرب وهذا الأمر مهمّ بالنسبة إلينا... أعرف أن في هذه المنطقة هناك الكثير من التطور والفرص".
وارتفع حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول الخليج بنسبة 40 بالمئة عام 2021 مقارنة بالعام السابق ليبلغ 8.6 مليار دولار، بحسب مسؤولين.
وفي عام 2022، ارتفع مستوى المبادلات التجارية بين روسيا والإمارات بنسبة 68 بالمئة ليبلغ تسعة مليارات دولار، وفقا لنائب رئيس الوزراء الروسي دينيس مانتوروف. وبحسب وسائل إعلام روسية، يمثّل هذا الرقم حوالي 55 بالمئة من إجمالي التبادل التجاري بين روسيا ودول الخليج العام الماضي.
ويوضح الخبير الاقتصادي في شؤون الخليج جاستن ألكسندر من مجموعة "خليج إيكونوميكس" الاستشارية أن "صناديق الثروة السيادية الخليجية انفتحت على روسيا خلال العقد الماضي، بالتنسيق غالبا مع الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة"، في الفترة التي كانت تسعى خلالها دول الخليج إلى تنويع اقتصاداتها، مضيفا "لكن هذه الاستثمارات ضئيلة نسبيا مقارنة بما تملكه في الدول الغربية".
وفي جناح موسكو، أكد المهندس الإماراتي عدنان النمر الزرعوني أنه مهتمّ بالاستثمار في روسيا، لأنها "بلد كبير ولديها فرص كثيرة وكبيرة"، مضيفا أنها "غنية بالمعادن والثروة الحيوانية والطاقة والزراعة والتكنولوجيا ولديها مبرمجون على مستوى عال".
وتوقّع صندوق النقد الدولي الشهر الماضي أن يتمكن الاقتصاد الروسي من الصمود عام 2023 للعام الثاني على التوالي، رغم الحرب والعقوبات، لكن على المدى المتوسط تبدو آفاق النمو محدودة.
وفي أبوظبي، أكد رئيس مؤسسة "روسكونغرس" التي تنظم منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي ألكسندر ستاغليف أن "الاقتصاد الروسي أظهر صمودا وقدرة على النمو في ظلّ الظروف الصعبة"، داعيا المهتمّين بتطوير شراكات وأعمال تجارية في روسيا إلى المشاركة في المنتدى المقرر عقده في يونيو/حزيران المقبل.
وأشار إلى أن "انسحاب شركات غربية من السوق الروسية، أوجد فرصا للشركات الأخرى التي تخطط لتطوير أعمالها في روسيا".
ومنذ التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، أوقفت مجموعات غربية شهيرة عمليّاتها في روسيا أو قلّصت نشاطها، من بينها 'بريتيش بتروليوم' و'شل' و'ماكدونالدز' و'اتش اند ام' و'كوكا كولا'.
ويشير الباحث غير المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن روبرت ماسون إلى أن "الاقتصاد الروسي تراجع بنسبة أقلّ من المتوقع عام 2022، بسبب ارتفاع أسعار النفط والإنفاق العسكري".
ويرى أن "الاستثمارات العربية قد تدعم قطاعات محدّدة، لكن مشهد الاقتصاد الروسي لا يزال يتحوّل"، مضيفا "مع تطبيع عدد من دول الخليج العلاقات مع سوريا، لا يمكن تجاهل احتمال إقامة تعاون أمني أو اقتصادي، فعلي أو ضمني، عبر سوريا"، حليفة موسكو.
ورغم ذلك، يعتبر ماسون الباحث المتخصص في سياسات الخليج والعلاقات الدولية في الشرق الأوسط، أنّ الاستثمارات العربية في السوق الروسية "لن تغيّر قواعد اللعبة في الوقت الحالي".