زلماي المهزوم يعود إلى بلد الهزيمة الأولى


أرّخ زلماي خليل زاد لأكبر "تفاهة سياسية" في تاريخ العراق المعاصر عندما عيّن نوري المالكي رئيسا لوزراء العراق لتستمر اللحظة الشاذة إلى سنين شاذة.
ينظر إلى زلماي خليل زاد منذ أشهر كشخصية مأساوية بعد الهزيمة الشنيعة للاستراتيجية الأميركية في أفغانستان

ليس مفهوما على ماذا يعوّل عمار الحكيم وهو يتودد إلى زلماي خليل زاد، كما كشفت الصورة المشتركة لهما خلال منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط الذي أقيم في الجامعة الأميركية في محافظة دهوك، شمال العراق هذا الأسبوع.

فعمار المهزوم في الانتخابات البرلمانية العراقية، كمن يطمح بنوع من الرصيد السياسي من خليل زاد الذي يعيش أكبر هزيمة في التاريخ المعاصر للولايات المتحدة بوصفة المبعوث الأميركي إلى أفغانستان ورئيس فريق التفاوض مع حركة طالبان الإرهابية.

نستطيع أن نتفهّم القُبل التي رسمها والد عمار عبدالعزيز الحكيم على خدي كولن باول وزير الدفاع الأميركي الذي تلبّس الكذبة التاريخية الآسنة بشأن أسلحة العراق. كان آنذاك ثمة ما يقدمه المحتل الأميركي للحكيم الأب. لكن تودد مهزوم عراقي إلى مهزوم أفغاني – أميركي، معادلة لا يمكن فهمها إلا بنتيجة سياسية صفرية، وهي كل ما تبقي في يدي الحكيم وخليل زاد معا.

أضفى جورج بوش الابن على زلماي صفة الدبلوماسي المخضرم، عندما اجتاحت القوات الأميركية أفغانستان، واستعان به لاحقا في العراق عندما جمع أقطاب المعارضة لنظام صدام حسين في مؤتمر لندن الشهير بالإهانات التي وجهها المبعوث الأميركي للمعارضين العراقيين! ثم كسفير في بلد ساهمت الديمقراطية الأميركية الموعودة في تحطيمه والإجهاض على ما تبقى من أي مؤسسة تمت بصلة لمفهوم الدولة.

وإذا يتم التغاضي عن قصد عن كل ما جرى في فكرة التحطيم الأميركية للعراق الدولة، فالتاريخ سينظر إلى زلماي بوصفه من شرّع الباب لأكبر رثاثة سياسية في تاريخ العراق المعاصر كان بطلها نوري المالكي.

يعترف المالكي بفضل خليل زاد عليه بقبوله كرئيس للوزراء في العراق عام 2006، عندما كان سفيرا للولايات المتحدة في بغداد. ويؤكد ذلك زلماي نفسه عندما اختلط الأمر بين القوى الطائفية المستحوذة على الكعكة العراقية الثمينة، على من يرأس الحكومة العراقية. يذكر ذلك السفير الأميركي عندما أُخبر أن شخصا ما اسمه جواد المالكي “هكذا كان اسمه قبل أن يصبح رئيسا للوزراء” من التحالف الشيعي يريد مقابلته. جلس المالكي كالتلميذ المطيع الخانع أمام السفير الأميركي وقدم ورقة مكتوبة عليها سلسلة الخدمات التي سيقدمها للولايات المتحدة عند القبول به رئيسا للوزراء في العراق.

قرأ خليل زاد القائمة بلا اهتمام لأنه يدرك عدم أهمية ما هو مكتوب فيها، مثلما يدرك عدم أهمية المالكي عندما يتعلق الأمر بما تريده الإدارة الأميركية، لكن ما كانت تريده السفارة الأميركية هو إشغال منصب رئيس الوزراء، في بلد يشهد حربا طائفية.

وهكذا أرّخ زلماي خليل زاد لأكبر “تفاهة سياسية” في تاريخ العراق المعاصر عندما عيّن نوري المالكي رئيسا لوزراء العراق خلفا لإبراهيم الجعفري الذي كان مسؤولا عن أكبر مجزرة طائفية شهدها العراق، لتستمر اللحظة الشاذة إلى سنين شاذة.

لم يُحمّل العالم زلماي كل ما حصل في العراق من انهيار وتلاشٍ للدولة، كانت القصة أميركية أكبر من زلماي نفسه، لكنه ينظر إليه منذ أشهر كشخصية مأساوية بعد الهزيمة الشنيعة للاستراتيجية الأميركية في أفغانستان.

ويحاول الرجل الذي يقدم نفسه كسياسي مخلص للحلم الأميركي، لكنه لا يستطيع أن يغيّر النظرة المحلية أو الخارجية له كأفغاني بلباس أميركي، الدفاع عن سمعته إزاء تحميله مسؤولية خاصة عن السقوط الفوضوي لكابول في أيدي حركة طالبان في أغسطس الماضي.

وها هو يدير حملة علاقات عامة دولية لتحسين سمعته، أوصلته هذا الأسبوع إلى محافظة دهوك في كردستان العراق للمشاركة في منتدى سياسي متعلق بالسلام. ومن سوء حظ مفهوم السلام أن زلماي خليل زاد الذي نفذ فلسفة سيئيْ الذكر بوش الابن ودونالد رامسفيلد الكامنة في قرار الحرب تجلب الحرية لأفغانستان ثم العراق، يتحدث عن السلام في نفس البلد الذي غادره السلام منذ أن وطئت أقدام أول جندي أميركي أرضه!

ومن سوء حظ عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة والباحث عن دور سياسي بعد هزيمته في الانتخابات التشريعية العراقية، أن يجاور زلماي خليل زاد في جلسته خلال المنتدى.

مثلما حُمل الجيش الأميركي والرئيس الأسبق جورج بوش مسؤولية ما آل إليه الوضع في العراق، حمل الجنرالات الأميركيين واستراتيجية الرئيس جو بايدن هزيمة الهروب من كابول. لكن زلماي كان أكثر من تحمل وطأة تلك الهزيمة. بوصفه الأميركي - الأفغاني الذي عمل مع أربعة رؤساء أميركيين والمتحاور الأول مع طالبان قبل أن يستقيل من منصبه.

فقد بعث النائب الأميركي مايكل والتز، الذي كان جنديا في أفغانستان، رسالة إلى بايدن ندّد فيها بأداء خليل زاد. وكتب أن “خليل زاد قدّم لك مشورة سيئة وفشلت استراتيجيته الدبلوماسية فشلا ذريعا”.

ومثلما كان قبوله بالمالكي الذي تعلم شد ربطة العنق في وقت متأخر من حياته، رئيسا لوزراء دولة بأهمية العراق الاستراتيجية، كانت صفقة زلماي مع طالبان بعد أشهر من المفاوضات في العاصمة القطرية، إما وهمية أو ساخرة.

فكيف للمنطق السياسي أن يقدم كرسيا دبلوماسيا لحركة إرهابية قطع الجيش الأميركي المحيطات كي يقضي عليها وبعد عشرين عاما من قتالها وإعلان الإجهاض عليها! بل إن أمر الله صالح النائب الأول للرئيس الأفغاني قبل سيطرة طالبان وصف خليل زاد بمهندس أكبر مخطط للخداع عندما عامل أفغانستان البلد كذبيحة ماعز اعتنى بها حتى لحظة النحر.

أليس زلماي نفسه من كان مؤرخا للذبح الطائفي العراقي تحت رئاسة نوري المالكي!

لا يملك زلماي خليل زاد في حملة العلاقات العامة لتحسين سمعته السياسية التي انتهت هذا الأسبوع في محافظة دهوك العراقية، غير نبرة رفض وصبر مرتبكة، عندما يصف حرب القضاء على طالبان بأنها حاسمة لمستقبل العالم الإسلامي، لكنه لا يجد أي ذريعة لتسويغ القبول بالحركة والتفاوض معها بعد عشرين عاما من الحرب، غير أن يقبل لعب دور “الشخصية المأساوية” وفق تعبير إريك إيدلمان مسؤول الأمن القومي السابق الذي عمل مع خليل زاد في عهد الرئيسين رونالد ريغان وجورج دبليو بوش.